خطة مصالحة بين (الإعلام الوطني) و (الاقتصاد الوطني)! (2)

لا أقصد بالإعلام الوطني… الإسلاميين وإعلام الدولة أو المؤتمر الوطني… إنما أعني بذلك كل إعلام ينطلق من أرض الوطن… اقصد به أي كاتب أو مدون يقوم بهذا الجهد وقدمه مغروسة في تراب الوطن. ومن اجل هذا المفهوم الواسع احمل أفكاري معي وأناقش في جلسات تجمع اليمين واليسار والوسط و(اللاشيء)!
في لحظة ما شعرت بأن الأرض تميد من تحتي… والمباني المرتفعة تدور… الإسلامي يتحدث بلسان شيوعي ويعلوه الغضب وتنتفض عروقه وهو يدافع عن “دعم السلع” مثلما يدافع القرآن والسنة. أصدقائي من الشيوعيين… يهاجمون الدولة وليس (الحكومة وحدها) من منصة الدعم ولكنهم صاروا ليبراليين لا أعتقد أنهم داخل الحزب لأنهم “شيوعيون يؤمنون بالرأسمالية” ويحجون إلى دول غربية ويمجدون تجربتها ليل نهار. عبارة “شيوعيون يؤمنون بالرأسمالية” تشبه “بابا كاثوليك على المذهب الحنبلي”!
ألم أقل لكم إن الأرض تميد والمباني المرتفعة تدور… ولم أكن حينها في حالة من “المزاج العالي”!
بدأت أتحدث عن ضرورة الانفتاح على الاقتصاديات الدولية والصديقة كل على حسب مصلحتنا معه… قلت إن الانفتاح سهل لأن سياسة السودان هي “التحرير الاقتصادي” وهي سياسة مرنة ومتطورة… قالوا جيد ولكن…
قلت إن ارتباط الاقتصاد السوداني بالاقتصاديات الدولية يعني تفادي التعويل على “الدعم” لأنه ينشيء اقتصادا وهميا افتراضيا… عندها حدث زلزال مشترك إسلامي ليبرالي شيوعي وأيضا لا ننسى جماعة (اللاشيء)… وعندها شعرت أن إعلامنا الوطني يعاني من أزمة حادة في فقر المعرفة أو إنكارها عمدا وجحودا!
الخلاصة التي توصلت إليها ودفعتني لكتابة هذه السلسلة أن (الإعلام الوطني) في حالة قطيعة مع (الاقتصاد الوطني)… الإعلام الرسمي مجرد نشرات كسولة ومملة، الصحف من جهة أخرى تمارس جلد الذات لا نقد الذات… بعض الكتاب والمتحدثين يكافحون الفساد بالعين المجردة!
في هذه وقفة… إذ أننا في ملاحقة الجهاز التنفيذي والشخصيات العامة يجب أن نعلم أن هنالك فرقا بين منهج “من أين لك هذا؟!” و منهج “مكافحة الفساد بالعين المجردة”…. العالم تطور وحيازة مظاهر الثراء لم تعد أمرا مستحيلا… هنالك نظم التقسيط والإئتمان وهنالك انواع من الفرص…. يوجد مواطنون محدودو الدخل يمتلكون سيارات أجمل وأفضل بعض التنفيذيين بسبب التدبير والتحويش والبيع بالتقسيط ومشاريع التمويل. استشهدت في هذا السياق بقوله (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ .. (79)) سورة الكهف… لاحظ مساكين يمتلكون سفينة… وتجد في الشرح ثلاثة أقوال.
هنالك أبواب مشرعة للاستفادة والمضاربات والإقراض… هنالك شخصيات نشطة واخرى كسولة أو قنوعة أو لا تحب المغامرة… ولذلك الحديث المجمل بأن أي ثري فاسد وله صلة بالنظام ولديه وساطات صعد عليها حديث ظالم ومفهوم كاذب.أيضا الإصرار على أن النزاهة قرينة الفقر والفساد قرين الثراء… مجرد (تشنج أخلاقي) وتطرف لا علاقة له بالدين ولا المنطق… يوجد لصوص فقراء وأغنياء أتقياء!
في هذا السياق لا بد من التأكيد مجددا (حتى لا تختلط الأوراق) على دور الصحافة في التصويب نحو موضوعات محددة بغية نقد جوانب بعينها وكشف الفساد والنقص… ما أنتقده حاليا ليس هذا (التنشين) الاستقصائي المهني الذي يبلغ الهدف بدقة ولكن ما أقصده هو الكتابة التي تشبه مطاردة ذبابة بالعصا على مائدة من أطباق الصيني والفخار.
[/JUSTIFY][/SIZE]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني


