ضياء الدين بلال

حملة تفتيش!


[JUSTIFY]
حملة تفتيش!

انتهى العيد ولم تنتهِ الغرائب، أعزائي القراء أدعوكم لقراءة هذا الخبر المنشور بعدد اليوم في الصفحتيْن الأولى والاقتصادية:
(تنطلق صباح اليوم الحملات التفتيشية لمراجعة المخابز بشمال بحري، للوقوف على مدى التزامها بأسعار الخبز وأوزانه، وأكد مدير الإدارة العامة لشؤون المستهلك بوزارة المالية والاقتصاد وشؤون المستهلك بولاية الخرطوم، عمر هارون لـ(السوداني) استمرار الحملات التفتيشية على الأسواق ومراكز الغاز، ومراجعة المخابز بالخرطوم، حيث يتم بيع “4”رغيفات بجنيه واحد، وزاد: إن سعر الرغيف في شمال بحري “3” رغيفات بجنيه)!!
حملة تفتيش لمراجعة المخابز في شمال بحري بالاسم والتحديد، خبر الحملة منشور في الصحف يقرأه أصحاب المخابز والفرانون والمشترون ورعاة الضان والماعز في الخلاء!
كل شيء واضح؛ الميقات الزماني والحيز المكاني، الأمر لا يعدو أن يكون مهمة بيروقراطية، الغرض منها تبرئة ذمة كسولة من تأدية واجب ثقيل!
ماذا يتوقع فريق التفتيش أن يجد بعد كل هذا، غير كل شيء في كمال تمامه، خبز (منفخ وفاخر وليهو وجنتين)، وأربع رغيفات بجنيه، إن لم تصبح خمساً إكراماً لتيم المفتشين!
حملات التفتيش في كل العالم حملات شبه سرية، تهدف من اسمها ومهامها لكشف الاختلالات والتجاوزات عبر الزيارات المفاجئة، ومن شروط نجاحها ألا تكون معروفة للجهات المشتبه بها، حتى لا تقوم بتزييف الواقع وتجميل القبيح بغرض خداع المفتشين.
قناعتي المدعومة بحيثيات وشواهد، أن أجهزة الرقابة والتفتيش، أضعف ما في الجهاز التنفيذي للدولة السودانية، لذا سهّلت مهمة أكل أموال الناس بالباطل.
لجان التفتيش هي في الواقع تنفذ هذه المهام بروتينية باردة وأداء كسول، لأنها في ذاتها لا تخضع للمراقبة والمحاسبة.
أوزان الخبز لا في شمال بحري فقط ولكن حتى في سنتر الخرطوم، تقل كثيراً عن الـ70 جراماً، أما في الولايات فحدث ولا حرج، فقد تلاشى الفارق الجرامي بين الرغيفة وقطعة الزلابية!
في زيارتي الأخيرة لمدينة المناقل، لقضاء إجازة عيد الأضحى، تفاجأت بوزن للخبز البلدي بحجم ضئيل إلى درجة لا تصلح فيها قطعة الخبز، إلا لرسوم الكاركتير، وتكفي فقط للقمتين تنقص ولا تزيد!
الغريب أن من كانوا معي على المائدة، تفاجأوا بدهشتي، وقالوا إنهم باتوا لا يسألون عن أوزان الخبز، وإن أصغر صبي في المدينة، لن تشبعه خمس رغيفات في الوجبة الواحدة!
حدثني من أثق به، وهو صاحب بقالة بحي المزاد في المناقل، وهو حي غالب سكانه من الموظفين وصغار التجار؛ أن ظاهرة غذائية جديدة في الفترة الأخيرة برزت، وهي أن عدداً من الأسر أصبح يشتري من المخابز والبقالات جولات من الخبز الجاف لاستخدامه في الوجبات اليومية!
من الواضح أن الواقع أصبح أسوأ من توقعات وزير المالية، فحتى “الكسرة” باتت عصية المنال حتى على مواطني الطبقة الوسطى!
سألت أحد أصحاب المخابز عن تضاؤل حجم الخبز إلى درجة تقترب من الكوميديا السوداء، فاجأني بإجابة غير متوقعة، قال لي إن مسؤولاً بالمحلية طلب منهم الإبقاء على سعر أربع رغيفات بجنيه، دون مراعاة واعتبار للوزن، وأضاف المسؤول لأصحاب المخابز: (دي التوجيهات الجاتنا من مدني خلوا أربع رغيفات بجنيه واعملوا الوزن البريّحكم)!.
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني