الطاهر ساتي

جدوى اللجنة

[SIZE=5][JUSTIFY][CENTER][B] جدوى اللجنة [/B][/CENTER]

:: بهاء الدين بن عبد الله الملقب بقراقوش، كان مملوكاً لصلاح الدين الأيوبي، ثم شاء القدر بأن يكون حاكماً بسلطة مطلقة لبعض مناطق مصر حيناً من الدهر بأمر الأيوبي ..وكثيرة هي غرائب حكمه و أحكامه، ومنها جاءه ذات يوم دائناً بقضية ضد مدين رفض سداد ما عليه من ديون..أرسل قراقوش شرطته لإحضار المدين، فأحضرته، وسأله عن أسباب تأخير سداد ديون الشاكي، فأجابه باكياً : (مولاي أنا رجل فقير، وأعمل يومياً لأجمع ديون هذا الشاكي، وعندما يبلغ حجم الأموال – بعد عام من العمل – قيمة الديون اذهب بها إلي الشاكي ولا أجده بمنزله، فاعود بالأموال الى منزلي وتصرفها زوجتي)..فكر قراقوش قليلاً ثم أصدر حكماً بسجن الدائن لمدة عام ليجده المدين – بالسجن – عند السداد، فتنازل الدائن عن ديونه و شطب شكواه و ..( فر بجلده)..!!

:: هذا ما حدث في ذاك العهد ..أما في عهدنا هذا، فالغرائب وحدها هي التي تحتفظ بمساحتها بعد أن تقزمت مساحة الوطن لحد جنوب كردفان وسنار والنيل الأبيض جنوباً و بدون حلايب وشلاتين و أبو رماد شمالاً، وكذلك بعد أن تقزم طموح المواطن لحد الحلم بالحصول على ( أربعه عيشات بجنيه)..ومن هذه الغرائب الشاسعة، قبل أن توارى جثامين شهداء أحداث سبتمبر الثرى، وقبل أن تجف دماء الجرحى، أصدر البعض المسمى بالمسؤولين أحكام هذه القضية عبر وسائل الإعلام.. (إنهم مخربون وقتلتهم و جرحتهم الحركات المسلحة بالمندسين)، هكذا كانت أحكامهم الموثقة بأصواتهم وصورهم بالصحف والفضائيات والإذاعات..فالجاني (حركات الجبهة الثورية) والمجني عليهم ( مخربون)، و ( خلاص)..تم إغلاق ملف القضية حسب أحكام المستوى الرسمي، وخاصة أن الناطقين بتلك الأحكام ( مسؤولين كبار)، فيهم الوالي والوزير و غيرهما..!!

:: ولكن – وهنا تتجلى غرائب هذا المستوى المسمى بالرسمي – لم يتم إغلاق ملف القضية..بعد أسبوع وآخر وثالث من الأحداث، عاد الذين أصدروا تلك الأحكام إلى وسائل الإعلام مرة أخرى، ليحدثوا الرأي العام عن تشكيل لجان تحقيق لمعرفة تفاصيل تلك الأحداث، وبالتأكيد منها معرفة من قتل ضحاياها و جرح جرحاها..هكذا حالهم..لقد حددوا الجناة بدقة ( حركات الجبهة الثورية) وكذلك وصفوا المجني عليهم قبل ثلاثة أسابيع ونيف (مخربين)، ثم شكلوا اليوم لجان تحقيق لتحدد الجناة وتصف حال المجني عليهم ..ومثل هذا التناقض المرتبك لم يعد يحدث إلا في بلادنا..ومرده خلط الأشياء ببعضها (خلطاً عشوائياً)، بحيث لا تعرف عقول الناس والصحف الحدود الفاصلة ما بين مؤسسات الدولة السياسية ومؤسساتها النيابية والعدلية، فالكل يفتي بالجهل ويحكم بالظلم ..ولذلك، ليس في الأمر عجب أن يكون السياسي هو ( الخصم والحكم) في أي قضية، وهذا ما حدث في هذه القضية قبل ثلاثة أسابيع ..!!

:: المهم، لو كانت النوايا السياسية صادقة في أن تأخذ العدالة في هذه القضية مجراها الطبيعي، لما نطقت ألسنة الساسة بتلك الأحكام قبل تشكيل لجان التحقيق بثلاثة أسابيع..هذا شئ، والشئ الآخر ( لماذا تم تشكيل لجان تحقيق؟)..وقبل تفكيك ما بين القوسين، نسأل : هي برئاسة من؟، ومن عضويتها؟، ولماذا لم تُعلن الأسماء؟..هذه الأسئلة ليست مهمة ولا إجاباتها ذات قيمة، فالمهم ( لماذا لجنة تحقيق؟)..ما لم تكن ذاكرة الناس مصابة بالزهايمر، ماحدث بالخرطوم ومدني ونيالا من قتل و جرح ليس بأول حدث يحدث بالبلاد، وما لجنة التحقيق هذه بأولى لجان التحقيق بالبلاد، ولذلك، نسأل عن ( جدوى اللجنة ).. بالواضح : أين لجان تحقيق ضحايا دارفور وكجبار وبورتسودان وغيرهم؟.. وعليه، نخشي أن تجتمع لجنة التحقيق ثم تصدر حُكماً بسجن أسر ضحايا الخرطوم و نيالا ومدني لحين مثول زعماء حركات الجبهة الثورية أمام المحاكم، أو كما فعل قراقوش في قضية ذاك الدائن ..!!
[/JUSTIFY][/SIZE]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]