تحقيقات وتقارير

سيول سياسية! المياه التي تجرف ما تجده أمامها تضعك أمام معادلة جديدة تتناول العلاقة بين السلطة والشعب أو بين ما يريده الناس وما تفعله الحكومة في الأرض اختلال للمعادلة، وهو ما يفضي في نهاية المطاف لبروز ظاهرة عدم الاستقرار السياسي

[JUSTIFY]رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم عبدالرحمن الخضر يغوص في الوحل وهو يتفقد أحوال مواطني ولايته وهم يواجهون خطر السيول والفيضانات التي حوالي 400 منزل قد انهارت في منطقتي الصالحة وأمبدة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فإن هيئة الأرصاد أعلنت عن استمرار هطول الأمطار وهو الأمر الذي ربما يزيد درجة الخسائر في ظل عدم توفر مصدات السيول واكتفاء وزير البنى التحتية في الولاية بالدعاء لتقليل المخاطر المتعلقة بهطول الأمطار في أجزاء الولاية. المياه تغمر مناطق أخرى من البلاد والواقع هو ذاته الواقع وربما أسوأ.
الخضر الذي أعلن عن استعداد لقوات الشرطة بنسبة 50% وأصدر قراراً آخر بتأجيل انطلاقة الدراسة في المدارس لمدة أسبوع كما أنه وعددا من أعضاء حكومته انطلقوا في زيارات تفقدية للضحايا بغية التضامن معهم والعمل على معالجة الأوضاع للتقليل من حدة الفيضان.
بعيداً عن الحراك الحكومي في مستوياته كافة فإن حالة من عدم الرضا تحيط بالمتضررين من السيول، وفي حديثهم يلقون باللائمة على الأجهزة الرسمية والتصريحات المطمئنة، فالخرطوم أعلنت في وقت سابق استعداد أجهزتها لمواجهة خريف هذا العام، التصريح المكرور بات مادة دسمة لسخرية المواطنين، بل إن بعضهم علق على الأمر وقال يبدو أن أكثر الأجهزة استعداداً للتعامل مع الخريف كانت هي كاميرات التصوير التي نشرت صور الانهيارات والسقوط، بينما السقوط الأكبر تمثله الأجهزة المختصة بحسب اتهامات المتضررين من بداية سيول العام 2014 وهو تكرار للمشهد الذي حدث في العام 2013 وما قبله، وهو ما يؤكد أن الخريف يفاجئ الجميع في كل عام.
المياه التي تتحرك من تحت المباني لتسقطها أرضاً، السيول التي تجرف ما تجده أمامها تضعك أمام معادلة جديدة تتناول العلاقة بين السلطة والشعب أو بين ما يريده الناس وما تفعله الحكومة في الأرض اختلال المعادلة، وهو ما يفضي في نهاية المطاف لبروز ظاهرة عدم الاستقرار السياسي المعبرة عن غياب حالة الرضاء بين الجانبين، لكن المشهد هنا قد يتجاوز حالة الشد والجذب بين حكومة ولاية الخرطوم وبين مواطني ذات الولاية ليأخذ الاتجاه الجماعي على مستوى البلاد، فحالة عدم الرضاء أو الإحباط بدت واضحة، بل إنها وصلت لدرجة عدم الثقة التي دفعت بالخضر للتصريح في أوقات سابقة وهو يقول إن حالة عدم الثقة في الحكومة تعمي الأبصار عن الإنجازات الملموسة لها واقعياً من قبل المعارضين لها.
بعيداً عن الفيضان.. قريباً منه، وفي ذات الأمر المتعلق بعملية الاستقرار السياسي في البلاد، فإن الحكومة تعلن في مكان آخر استمرار (الوثبة) باتجاه الاستقرار السياسي حين يعلن مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور، أن موجهات خطاب الوثبة ماضية إلى غاياتها بعد اكتمال ترتيبات توحيد الصف الوطني مع الأحزاب. وقطع بعدم تراجع الحزب عن برنامج الإصلاح السياسي عبر التطبيق الكامل للحوار الوطني وهو الأمر الذي يشير إلى حالة التقاطع بين احتياجات الشعب وبين خطوات الحكومة التي تسعى لإيجاد تسوية بينها والنخب في المعارضة عبر برنامج استمرار مشروع الحوار الوطني بغية الوصول إلى صندوق الانتخابات في العام 2015 وقبل ثلاثة أشهر من الخريف القادم، أمر قد جعل البعض يعود لبرنامج استمرارية النهضة المطروح في العام 2010 والذي حمل فيه برنامج الخضر العلاقة بين الخرطوم والخريف برفقة مشروع البرنامج الهيكلي، لكن كل الذي ظهر منه في نهاية مطاف الخسائر، هياكل المنازل التي ماصتها المياه وحالة وجوم المواطنين الذين دفعوا ثمن أخطاء المسؤولين أو دفعوا ثمن وجود منازلهم في مجري السيل بحسب تبريرات أخرى، وفي الحالتين فإن قدرهم كان هكذا وعليهم التعايش معه.
لم ينته مشهد فيضان النيل الذي يبشر بمزيد من المياه ومزيداً من الخسائر، في الوقت نفسه يمضي فيضان النخب باختلافه في اتجاه آخر وبعيداً عن اتجاه ما يطلبه السودانيون من سلام واستقرار يعبر عن نفسه في حالة (وفاق وطني مرضي عنه) ومقبول يضع نهاية للمعاناة والمشكلات في البلاد التي تخرج من بوابة الاختلاف لتعود لذات الغرفة عبر الشباك.
قيفة وترس.. إنسانية بس.. مشروع تضامن شبابي طوعي تنفذه منظمة الوصول للوقوف أمام خطر الفيضان وتقديم الدعم والإيواء أو ما تستطيع الوصول إليه للمتضررين هناك، ربما يكون المشهد إعادة لمشهد نفير السيول السابقة الذي أصاب بعض النجاح وأكد قدرة المجتمع في التقدم على السياسة في كثير من المشاريع، لكن ذات القدرة سرعان ما تتكسر أمام تغيير مسارات السياسة وتوجيهها نحو تقديم خدمة لمن يستحقها وفقاً لمعادلة الحق والواجب، لكن الأمر في نهايته يقول به أحد الشيوخ وهو ينظر إلى منزله المهدم وإلى المياه التي تحمل معها (عرق السنين) وبلسان خنقته العبرة يقول.. لتكن لكم (وثبة) جديدة بس من إجل إخراجنا من هذا النفق المظلم
[/JUSTIFY]

اليوم التالي – الخرطوم – الزين عثمان
ي.ع