ثقافة وفنون

كنداكيس.. رواية توغل في تاريخ السودان

صدرت في النصف الثاني من يوليو/ تموز الماضي رواية “كنداكيس.. ستنا بت عجيل”، وهي الرواية الفائزة بجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، برعاية مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي لكاتبها القاص والروائي أحمد المصطفى الحاج، والذي يعتبر أحد أبرز كتاب القصة القصيرة في السودان، وأحد ممثلي جيل السبعينيات في الكتابة، وصاحب البصمة الواضحة والفارقة في تاريخ السرد.

تنزع تلك الرواية إلى تمثل التاريخ السوداني الحضاري القديم وتقاطعات الماضي واليوم وتنازعهما على المستوي الإثني والسياسي لخطاب الهامش والمركز، والأسطورة حاضرة في ثنايا تكوين سرد الرواية وسيرورة التاريخ الشفاهي، كما أنها تقف عند حد الماضي المنقطع مع صيغة الحاضر السردي.

ويسترجع الروائي قصة الملكة بلقيس وهدهد سيدنا سليمان عليه السلام في التجاور الحضاري للسودان القديم والهجرات المتعاقبة إلى أرضه، كما يستلهم السارد الأساطير الشعبية السودانية ببسطها على أرض الواقع الماثل عبر الفنتازيا والواقعية السحرية وإشارة الراوي لتحويل سبأ إلى “سوباء” أرض الحضارة السودانية القديمة التي انتهت بقيام دولة الفونج الإسلامية في العام 1504 للميلاد.
أحمد المصطفى: حاولت اختصار تاريخ السودان في رواية (الجزيرة)

أزمنة متداخلة
ترتبط الرواية بأزمنة متداخلة وتاريخ غير محدد بالإشارة الدالة على حدث تاريخي معروف سلفا، فهي تتجاوز الزمان والمكان.

كما يلتقي السرد في تقاطعاته مع الحكايا الشعبية وتأثرها بمقولات الناس العادية وتسلسلها داخل النص مع غياب الإفصاح الصريح عبر استخدام تقنية سينمائية سردية تظهر شخوص الرواية في مسرح واحد مفتوح سرديا على كل التواريخ القديمة والحديثة، وفي قالب يميل لتحويل كل الأحداث إلى لغة سردية، مباشرة أحيانا وضمنية أحيانا، مع تأكيد كل جملة من سردية الرواية على أن هذا التاريخ متخيل على تاريخ راسخ في الذاكرة.. “كان الهدهد يراقبهن، ومن وقع نظرهن عليه هز عرفه فسقط منه كتاب كان يدسه بين ريش عرفه، أفرد جناحيه فاقتحمت أشعة الشمس فناء المخدع، فخرّ كل من بالمخدع ساجدات”.

كما استلهم السارد التاريخ القديم الحضاري بإعادة رسم بعض شخوص الرواية مع دلالات الاسم “نوبو” و”محسة” و”كاشاب” و”ستنا بت عجيل”، في محاولة سردية لاستكمال صورة الهوية الهجين وتأثير الحضارات المتداخلة منذ آلاف السنين على أرض إنسان السودان.

ويقول الحاج للجزيرة نت إنه حاول في الرواية اختصار التاريخ السوداني من قبل الميلاد إلى العصر الحديث بإيجاز من خلال الأحداث وشخصياتها، وكل كلمة في الرواية لها مدلولها وهي تحاول أن تثبت أن السودان كله شعب واحد منذ القدم، معتبرا أن التمازج العرقي هو الذي كوّن هذا الوطن الواحد.

وسعى السارد إلى رسم الروح الصوفية الحاضرة في مكونات الهوية السودانية “وما إن مرر كاشاب سبابته على صفح اللوح راسما جذع النخلة حتى أبرق الجذع فأضاء برقه اللوح والكهف”.

وفي إشارة إلى تاريخ السودان الحديث، يستحضر قصة غرق نساء إحدى المدن في الشمال عندما احتدم خلاف داخل البيت السوداني ورمزية العنف داخل هذا البيت “وفي نفس المكان الذي ساقت ستنا بت عجيل نساء القبيلة وسقطت بهن في النهر خوف الفضيحة والعار حيث تربص بهن الغزاة الفجرة والكفرة”، ومتن الحدث إعادة كتابة تاريخ محكي يعيد استخراج العبر ويحصي الإشارة إلى أن اللوح الماثل قد تتجدد فيه حوادث الماضي.
د. مصطفي الصاوي: الرواية مزجت بين التاريخ والأسطورة والموروث (الجزيرة)

الأسطورة والتاريخ
يقول أستاذ النقد الدكتور مصطفى الصاوي إن أحمد المصطفى استطاع أن يشيد عالما روائيا نهض على التقاطع بين الأسطورة والتاريخ والموروث الشعبي، ليبني روايته التي تقوم على أشكال مختلفة من أساليب السرد الروائي أهمها توظيف المونتاج السينمائي و”الفلاش باك” للرجوع بالأحداث للوراء وإفراد مساحة واسعة للموروث الشعبي.

ويضيف الصاوي أن السؤال هو: كيف بنيت الرواية التي نهضت عليها الرواية؟ إذ نجد كثيرا من مقاطع القرآن الكريم والإنجيل وألواح موسى وصولا إلى الجداريات في الآثار المروية.

ويشير الناقد إلى أن الكاتب اتكأ في هذه الرواية على أكثر من شكل، محاولا إنتاج قصة الثقافة السودانية في مجملها كما يراها.

من جانبه، يذهب الناقد الدكتور عز الدين ميرغني إلى أن رواية “كنداكيس” وظفت الفنتازيا لقراءة الحاضر بالرجوع للماضي القريب والبعيد، والرمزية فيها عالية ولكنها خفية تحتاج للتوظيف الدلالي الخاص لكل متلقٍ، بمعنى أن قراءتها مفتوحة وليست مغلقة.

ويقول ميرغني إن دور الراوي العليم كان قويا وموظفا توظيفا جيدا بحيث ساعد هذا في التجول “الزمكاني” بحرية كبيرة، ولفت إلى أن الكاتب استفاد من احترافه للقصة القصيرة بالكتابة بجمل سردية قصيرة ومكثفة وخادمة للنص، مما أبعدها عن الترهل السردي وتشتيت ذهن القارئ، مشيرا إلى أن الرواية استفادت من مخزون الكاتب الفلكلوري والتاريخي.

محمد نجيب محمد علي-الخرطوم

المصدر : الجزيرة