عبد اللطيف البوني

سياسي خالي غبينة


[JUSTIFY]
سياسي خالي غبينة

هبة سبتمبر او حراك سبتمبر الاحتجاجي سمه ما شئت يمكن النظر اليه من زاوية التدافع بين الجهة الحاكمة والجهات المعارضة لها ولكن الذي لفت نظري ومن خلال المتابعة اللصيقة لتداعيات وأدبيات الأحداث أن أكثر الأسماء ترددا فيها هو اسم السيد الصادق المهدي فالمعارضة عاتبة عليه والحكومة ليست راضية عنه كل الرضا والأهم أن كل من الطرفين يريد أن يستميله الى جانبه فالحكومة ومنذ زمن طويل مافتئت تقدم له المغريات ليركب قطارها والمعارضة تسعى لجعله على قيادة كابينتها ولكن الرجل ظل عصياً على الطرفين وظل معتصما بأجندته الخاصة التي يرى فيها خلاص الوطن.
الذين يميلون للكسل الذهني يلخصون موقف الصادق المهدي بأنه موقف رمادي رافضا للقطع بين الابيض والاسود والبعض يصفه بالتردد وعدم الثبات لا بل التناقض لأمر في نفسه وآخرون يرون أنه يقوم بتوزيع دوره على أسرته فابنه عبد الرحمن يطوف على الفعاليات السياسية بما فيهم الصادق نفسه مع وزير المالية عارضا السياسات الاقتصادية الحكومية وابنته مريم تنشط في مقاومتها بكل الوسائل المتاحة وهنا يثور السؤال: اذا كان السيد الصادق بهذه الازدواجية لماذا يتنافس الجميع لكسب موقفه؟ لماذا لا يعتبرونه كرتا محروقا ويتجاوزونه؟
في تقديري أن السيد الصادق اختار اصعب الطرق ووضع نفسه في هامش في غاية الضيق وهذا يرجع لأنه قرأ الواقع بعمق المحلل السياسي ورجل الدولة فهو معارض لكل سياسات النظام القائم ولكنه يرى ان حالة البلاد لا تحتمل عنفا مضادا يريد توحدا وطنيا غير مرتبط بأجندة خارجية ويرى الصادق تحديد البديل المتفق عليه قبل إسقاط النظام، فصعوبة فهم موقف السيد الصادق نابع من صعوبة وضع السودان وقلة خياراته.
نتفق او نختلف مع السيد الصادق في موقفه أعلاه إلا أننا لابد أن نلحظ أن سيادته يتحرك بدون أي غبينة تجاه أي شخص او تجاه أي مكون من مكونات الحراك السياسي فمع كثرة عطائه القولي في الندوات والخطب الدينية والمقابلات الصحفية شبه اليومية وأوراق المؤتمرات وكتاباته المباشرة للصحافة وكتبه لم يحدث أن أساء لشخص او جهة إساءة لفظية وكل انتقاداته للمواقف فقط. إنه بلغة الكرة يلعب على الكرة وليس على الأجسام لذلك اتسم لعبه ب(الفيربلي) أي اللعب النظيف وهذا يعني أنه خالي من المرارات الشخصية دائم الصفح عن من يسيئون إليه إساءة شخصية لأن قضيته أكبر من الأشخاص لذلك وصفناه بأنه سياسي خالي غبينة إشارة لحكمة السيد عبد الرحمن المهدي (من فش غبينته خرب مدينته )
السيد الصادق المهدي مثله مثل أي سياسي وأي مفكر وأي مجتهد ديني يتفق الناس ويختلفون مع ما يطرحه ولكن يجب أن نعترف له بالخلو من الغبينة وهذه ميزة نادرة قد يكون لا وجود لها فما من سياسي في الدنيا مكث دهرا طويلا في العمل السياسي إلا وأصبح من المحتوم أن يكون له رصيد من الأعداء الشخصيين حتى ولو كانوا غير دائمين. إذا كان ما ذهبنا إليه صحيحا نتمنى أن ينزل الناس السيد الصادق منزلته في هذه الأيام عالية الاحتقان وذلك بالإصغاء لما يقوله وإعطائه الفرصة لوضع ورقة عمل ثم ينكب الجميع وبدون أي فرز لمناقشتها عسى ولعل أن يكون في ذلك مخرج من الأزمة الحالية ولكن للأسف هذا قد يبدو مستحيلا لأن الساسة في بلادنا أصبحت الغبائن مكونا هاما من مكونات نشاطهم السياسي ولاحول ولا قوة إلا بالله.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]