رأي ومقالات
عمر صديق البشير : المؤتمر الوطني والتجديد الشامل
* أهمية تجديد الهياكل والقيادات لعل المؤتمر الوطني في مسيرته القاصدة والتي تعتبر امتدادا طبيعيا لمسيرة الحركة الإسلامية السودانية منذ نشأتها الأولى وعبر تطوراتها المختلفة مثل الجبهة الإسلامية للدستور والجبهة الإسلامية القومية حيث درجت على أن تكون تنظيما وطنيا وجماهيريا مفتوحا وعلنيا في أغلب أطواره إلا ما اقتضته الضرورة في بعض الأوقات والأزمنة السياسية من جنوح للعمل السري حينما قفل أبواب العمل السياسي العلني، حتى جاءت ثورة الإنقاذ الوطني كمشروع سياسي مشترك بين الوطنيين من القيادات العسكرية والإسلاميين.. وبناء على ما سبق فإن المؤتمر الوطني قد شهد عدة أطوار للتجديد والتغيير في الخطاب السياسي وفي المفاهيم والأطر التنظيمية، وفي القيادة. وقد حدث ذلك في كل المراحل كاستجابة طبيعية لتحديات وضرورات كل مرحلة من مراحل تطوره السياسي منذ أن طرحته ثورة الإنقاذ الوطني في بدايات عهدها كوعاء شامل وجامع لأهل السودان، وكأساس لتجديد إطار النظام السياسي، وفي محاولة لوضع لبنة في مسيرة الاستقرار السياسي في البلاد. ثم جاءت مرحلة التوالي السياسي، ثم مضت مسيرة التطور والتنمية السياسية إلى مرحلة التعددية الحزبية الشاملة، ثم كانت مرحلة المفاصلة التي تمثلت في خروج بعض القيادات التاريخية وانشقاقهم لتكوين المؤتمر الشعبي، ثم جاءت مرحلة اتفاقية السلام الشامل، ثم الفترة الانتقالية التي انتهت إلى انفصال الجنوب. ومع كل تلك التطورات كانت تحدث تغيرات في قيادة الحزب وفي نظامه الأساسي وفي هياكل القيادة إلا أنها مع تطوال العهد لم تلب أشواق جماهير الحزب، ولم تعالج تراكم القضايا الداخلية للحزب التي تمثلت في أزمات متكررة أصبحت تهدد بالانفجار السياسي مع تضخم الحزب وتوسعه وانتشاره. وهنالك ايضاً أزمات استجدت وأصبحت تبرز من خلال بعض مظاهر الخلافات السياسية والفكرية وبعض أشكال الصراع الداخلي بسبب اختلاف الرؤى وتداخل الأجيال في مسيرة الحزب وأدت الى تنامي دعوات التغيير والإصلاح التي كادت تؤدي الى انقسام جديد لولا أن تمت محاصرتها ومعالجتها عبر تفعيل لوائح المحاسبة والانضباط، ولذلك لم تخرج إلا قلة من الأعضاء ليكونوا حركة الإصلاح الآن، ولكن كانت جماهير الحزب وقيادته على اتفاق على ضرورة التغيير والتجديد والإصلاح عبر الأطر التنظيمية للحزب وليس عبر القنوات المفتوحة ووسائل الإعلام. ولعل ضرورات الإصلاح والتغيير في المؤتمر الوطني تنبع من تراكم أدائه السياسي لفترة طويلة، حيث أصبح الحزب كغيره من التنظيمات السياسية السودانية عرضة بأن تصيبه أمراضها السياسية المتمثلة في تزايد حالات الخروج والانشقاقات التي تضرب بعض الأحزاب في نهاية المطاف أو الحالات التي تنذر بحدوث أوضاع حزبية قابلة للانفجار بسبب حالات التجمد أو التكلس السياسي، حيث أن قيادات الأحزاب السياسية في السودان تستمر الى ثلاثة أو أربعة عقود في المعتاد ولا تعرف التغيير أو الاستقالة أو التبديل إلا بعد موت الزعيم. ولعل ذلك يجسد أزمة الديمقراطية في أحزابنا السياسية على مستوى ممارستها لها في داخل هياكلها التنظيمية وفي ممارستها لها على المستوى السياسي العام مما أورث البلاد عقبات ومشكلات سياسية مزمنة أقعدت به ومنعته من سلوك طريق التطور والاستقرار. ولعل الفترة الماضية قد أصابت المؤتمر الوطني بذات الداء الذي لازم أحزبنا السياسية وما زالت تعاني منه بسبب افتقار تلك الأحزاب لإرادة التغيير والإصلاح السياسي وعدم تعاملها الجاد بما يعتريها من أزمات متراكبة ومتطاولة في أوضاعها الداخلية التي تنتج عن تراكمات الأداء وأخطاء الممارسة كنتاج طبيعي لمحصلة الممارسة السياسية داخل الأحزاب، ولعل هذه الأزمات التي تصيب الأحزاب السياسية عديدة ولكن سنتطرق هنا لأهمها والتي تتمثل في:
ــ أزمة تجديد العضوية.
ــ أزمة الديمقراطية.
ــ أزمة الترابط والانسجام.
وهذا ما سوف نتناوله في الحلقة القادمة، حيث نستعرض هذه الأزمات الثلاث وأثرها على المؤتمر الوطني وكل الأحزاب السياسية مما يجعل هنالك ضرورة ملحة لعملية الإصلاح والتغيير.
صحيفة الانتباهة
ت.إ
[/JUSTIFY]