رأي ومقالات

د. عارف عوض الركابي : تعليق على خبر حرق أضرحة بأم درمان..

[JUSTIFY]ورد بهذه الصحيفة في عددها الصادر يوم أمس الأربعاء، خبر قيام أشخاص مجهولين بحرق أضرحة بقبة بأم درمان بالقرب من سوق ليبيا، وورد في الخبر الإجراءات الرسمية التي تمت بفتح بلاغ للتعرف على الأشخاص، وفي مثل هذه الحالات فإن الجهات المختصة هي التي تكشف الحقائق، وقد تعوّدنا أن بعض الناس يستغل مثل هذه الأخبار ليرمي بالتهم الجزاف، لذا رأيت أن أبين موقف السلفيين من: هدم القباب أو تشييدها.
إن تاريخ الدعوة السلفية بالسودان في عقودها السابقة معلوم ومحفوظ ومشاهد، فمنهج الدعوة السلفية في بيان العقيدة وأساليبها في التوجيه والتعليم، والتنبيه على الأخطاء العقدية بأنواعها والتحذير من الممارسات الخاطئة هوالمنهج الذي يسير بدعوة الناس بالحسنى، بالتي هي أحسن، بالحكمة والموعظة الحسنة وإن اقتضى الأمر فالمجادلة والمناظرة بالتي هي أحسن، وقد كتب كثير من المنصفين في هذا الجانب وشهدوا بالواقع المعلوم الذي لا يمكن إنكاره من مزايا الخطاب السلفي وأساليبه وطرقه وما أثمر من نتائج طيبة، كما شهدوا باعتدال واستقامة طرق التعليم والتوجيه والتصحيح التي يسير عليها السلفيون على مختلف أنواع المنابر التي ينطلق منها خطابهم، سواء المساجد أم الميادين العامة أم المدارس أم حلقات الأسواق، أم المواد الصوتية المسجلة أو المؤلفات المكتوبة، أوفي مخاطبتهم المباشرة للأفراد في النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والسلفيون يقررون في كتبهم ومؤلفاتهم ودروسهم وفتاويهم أن تغيير المنكر إن كان باليد فهو إلى الحاكم أو من يأمره، أو للرجل في بيته وأهله ومن هم تحت ولايته، والسلفيون في شرحهم لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم، يبينون درجات إنكار المنكر ويؤكدون على أن: التغيير باليد للقادر عليه كالحكام، والرجل مع ولده وزوجته، وإلا فالتغيير باللسان وهو للعلماء ومن في حكمهم من الدعاة وطلاب العلم ومن لديه علم بالمنكر، وإذا لم يتمكن من التغيير باللسان فينتقل إلى التغيير بالقلب.
فالتغيير باليد يكون في حق من استطاع ذلك كولاة الأمور والجهات المختصة بذلك فيما جعل إليها، والإنسان في بيته مع أولاده وأهل بيته فيما يستطيع. أما من لا يستطيع ذلك فإنه لا يغير بيده بل ينكر بلسانه ويكفيه ذلك لئلا يقع بإنكاره باليد ما هو أنكر من المنكر الذي أنكره، ولئلا تصبح الأمور فوضى يغير كلٌ بيده، كما نص على ذلك أهل العلم. وحسبه أن ينكر بلسانه فيقول: هذا لا يجوز، وهذا يجب تركه، هذا يجب فعله، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة وبالأسلوب الحسن.
ومعلوم حرص السلفيين على التقيد بهدي النبي عليه الصلاة والسلام، فهو أفضل الهدي وأكمله، والواجب السير عليه، والمنهج النبوي في التعامل مع الأخطاء وتغييرها معلوم ومدوّن، وأساليب النبي عليه الصلاة والسلام في تغيير المنكرات وهو في المدينة تختلف عن الأساليب لما كان بمكة قبل الهجرة، كما أن تعامله مع مظاهر عبادة غير الله من الأصنام والأوثان التي كانت حول الكعبة بعد أن فتح مكة وآلت إليه وإلى المسلمين، حيث بدأ بإزالتها يوم فتح مكة يختلف ذلك عن ما كان عليه قبل الهجرة، ففرق كبير بين الصلاحيات التي هي لولي الأمر والحاكم، وما هو من صلاحيات سائر الرعية، وهي قضية واضحة، يؤكدها السلفيون على الدوام، ومما يتعلق بها من معاقبة المجرمين وإقامة الحدود على الواقعين فيها وغير ذلك فهذا وغيره إنما هو لولي الأمر.
وعلى ضوء ما يقرره السلفيون في هذا الشأن فبالإمكان معرفة موقف السلفيين من هذا الحادث وغيره إن لم يصرّح به ويكتبه العلماء والدعاة المنتسبون لمنهج السلف الصالح.
وإن الحكم الشرعي المأخوذ مما ثبت في النصوص الشرعية في حكم البناء على القبور أنه يحرم البناء على القبور ولا يجوز تجصيصها ولا وضع المصابيح عليها، ويجب أن يحتكم الجميع في ذلك وفي غيره للوحي من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والسلفيون عندما يبينون أنه لا يجوز البناء على القبور فإنهم يسيرون بتوجيه الصادق الأمين المصطفى المجتبى المرتضى عليه الصلاة والسلام فقد وردت أحاديث كثيرة بهذا الشأن ومنها ما قاله وهو على فراش الموت لبيان أن ذلك من وصاياه العظيمة لأمته، ومن تلك الأحاديث قوله: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه البخاري ومسلم وقوله: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم، ولما ثبت أيضاً عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي عليه الصلاة والسلام: «أنه نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها» رواه مسلم. وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ؟ أن لا أدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته».
قال القرطبي المالكي رحمه الله: «وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم، وأما تعلية البناء الكثير على ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهاً بمن كان يعظم القبور ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال هو حرام، والتسنيم في القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير».
وكلام الإمام القرطبي السابق هو ما نصّ عليه الإمام مالك رحمه الله في المدونة، وعلّق عليه سحنون رحمه الله «1ـ 189» والقول بتحريم البناء على القبور تلقاه علماء الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة لوضوح الأحاديث الواردة في ذلك، وصراحتها، والبناء على القبور وتزيينها وإيقاد المصابيح عليها هو من الوسائل التي بسببها يقع بعض الناس في الشرك بالله تعالى وهو أعظم الأخطاء والمنكرات، فإن الشرك يكون بدعاء المقبورين والأموات وندائهم من دون الله تعالى، وتجصيص القبور وبناء القباب عليها هو من الوسائل التي توصل إلى ذلك. وحماية للمسلم في أهم ما يملك من المعتقد الصحيح نهى النبي الرؤوف الرحيم بأمته من ذلك.
وعلى الرغم من خطورة بناء القباب على القبور وخطورته إلا أن السلفيين يؤكدون أن الشريعة لا تقر مهاجمتها ولا تكسيرها ولا شيئاً من ذلك دون أن يكون ذلك بأمر الحاكم وولي الأمر وتوجيهه، وقصة نبش القبور التي كانت في مكان المجلس الوطني وقصر الشباب والأطفال بأم درمان من شواهد ذلك، فأزيلت بأمر الرئيس الأسبق نميري رحمه الله قبة الشيخ إدريس وأبي البتول وتم تكفينهما ودفنهما في مقبرة عامة، وفي القصة عبر كثيرة ليس هذا موضعها. فهذا نموذج يبين تقيد السلفيين بالرجوع لولي الأمر في هذا الشأن وأمثاله.
ولا يخفى على من له مسكة من علم الطوائف التي تقوم بمثل هذه الأعمال وهي على نوعين أحدها من يريد الفتنة ويسعى لها بهذا العمل وهذه الوسيلة، وقد أشار في أحداث سابقة شبيهة رئيس البلاد إلى أن طرفاً ثالثاً هو من يقوم بمثل هذه الأعمال، والنوع الثاني من يفعل ذلك معتقداً أنه الصواب وهم طوائف الغلو والتكفير المتفلتون الذين لا يرون طاعة حاكم أو عالم.. ومن اشتبه عليه هذا النوع بالسلفيين فإنه يكون ممن لا يفرق بين التمرة والجمرة..
[/JUSTIFY]

الانتباهة
ي.ع