السودان مجددا في القائمة الامريكية للارهاب
حملت القائمة الامريكية للدول الراعية للارهاب الصادرة قبل يومين اسم السودان (موهطاً) بين ايران وسوريا وكوبا، لتؤكد بذلك امريكا على موقفها منذ ادخلت الخرطوم في تصنيفها للدول الراعية للارهاب في منتصف النصف الاول من تسعينات القرن الماضي، حيث ظل السودان ماكثا في قائمة الدول المنبوذة امريكيا على مدى ستة عشر عاما حسوما، لم يتزحزح قيد انملة، رغم ما قدمت حكومته من حسن نيات ورغبات صادقات في التعاون مع الدولة الكبرى وما بذلته من اشياء اخرى لاجل الوصل والوصال معها.
وقد وضعت ادارة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون السودان في اللائحة الاميركية للدول الراعية للارهاب فى اغسطس1993 عقب حرب الخليج التى وقف فيها السودان مناهضا للموقف الاميركى وصنف ضمن دول الضد، واعلنت ادارة كلينتون وقتذاك أن البلد الأفريقي النامي يملك علاقات مزعجة مع قطاع واسع من المتطرفين الاسلاميين ، بل ذهبت إلى انه يدعم تلك الفئة بتدريبات عسكرية ويوفر ملاذات آمنة ووثائق السفر والاموال لهم ، وتطور الامر باغلاق محطة مخابراتها في الخرطوم باواخر العام 1995 ، ثم اعقبت الخطوة في فبراير من 1996 بسحب سفيرها من الخرطوم. ولكن بعد عدة اشهر انتبهت الخرطوم إلى خطورة موقفها فاجبرت بن لادن الذى حل فى الخرطوم فى العام 1991 الى مغادرة البلاد فى مايو 1996 ،وعرضت حسب ما اوردت»التايمز» حينها في رسالة الى الادارة الاميركية الاستعداد للتعاون الكامل في مكافحة الارهاب.
ويشير مراقبون الى ان العلاقه بين الخرطوم و واشنطن لم تكن تتسم بالتوتر والاضطراب في بدايات عهد حكم الإنقاذ في 1989م وقيل ان الولايات المتحدة لم تستخدم القانون «513»: (القاضي بحجب المساعدات الاقتصادية عن الأنظمة أو الحكومات التي تطيح بوضع ديمقراطي، أو لا تذهب لتطبيق الأسلوب الديمقراطي في الحكم)حسب ماذكره باحث سوداني في الشؤون السياسية وقد ذكر مسؤول أمريكي للرئيس البشير «رغم أن القانون 513 لا يجيز التعاون معكم، فإننا بصدد مخرج لهذه المادة؛ لأننا مقتنعون بأن الوضع الحالي أفضل من الماضي»، ويرجع الباحث بابكر احمد حمزة ذلك إلى أن الولايات المتحدة كانت تريد التخلص من الصادق المهدي -طوال الأشهر الستة التي سبقت الإنقاذ-، لكنها في الوقت نفسه لم تُرِد الظهور علانية بمظهر الموافق على السماح بالتخلص من الديمقراطية. ويقول، انه وبعد أن تكشفت هوية ثورة الإنقاذ الإسلامية، ورفضها لهيمنة النظام الدولي الذي تقوده واشنطن وازدياد الأمور تعقيدًا بعد تأسيس المؤتمر الشعبي الإسلامي في 1991م الذي ضم عددًا من الحركات الإسلامية العالمية وتزعمه الدكتور حسن الترابي بدأت الولايات المتحدة في تغيير سياستها تجاه السودان واتهامه بالإرهاب وإيوائه ودعمه.
والتأكيد الامريكي على ابقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب رغم اختلاف الظروف واقدام الخرطوم على تنفيذ جملة من المطلوبات في ما يتعلق بمكافحة الارهاب ويرى مراقبون وسياسيون تحدثت معهم الصحافة في وقت سابق، ان الولايات المتحدة باتت تغير اجندتها بعد ما ضمنت تعاون الخرطوم وتنازلاتها، فقد كانت تربط رفع العقوبات عن السودان بالتوصل الى اتفاق سلام فى جنوب البلاد ، والان ترهن الامر بانهاء ازمة دارفور، وربما ترهنه بعد ذلك بمطلوبات جديدة، اى ان المطلوبات الامريكية لن تنته، ولن تعدم ذريعة تبقى بها السودان في القائمة، طالما انها صارت قضية داخلية لديها تستخدمها جماعات الضغط لتحقيق اجندة خاصة بها، ولذا قد لا يدهش الحكومة كثيرا الموقف الامريكي لانها تعتبره من باب الكيد السياسي، ويقول لي المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير علي الصادق عبر الهاتف امس ان وضع السودان في هذه القائمة محض كيد سياسي ولا علاقة له بدعم حقيقي يقدمه السودان للارهاب الدولي، وحين اسأله عن جدوى الحوار مع الامريكان وجدوى استقبال المبعوثين ما دامت امريكا تصر على بقاء السودان في قائمتها السوداء، يقول ان الحوار مع الادارة الامريكية الجديدة ما زال في بداياته ( وننتظر بمرور الوقت وجولات الحوار ان ان يأخذ هذا الموضوع حقه من البحث حتى يتم رفع اسم السودان من هذه القائمة وحتى لا يظهر في المرات القادمة ) مشددا على ان الخارجية تضع الامر في جدول اولوياتها من الحوار مع امريكا.
من جهته ينبه مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين في مقال له نشر امس باكثر من صحيفة الى ان الموقف الرسمي المعلن للولايات المتحدة هو أن السودان بلد عدو، ويشدد على ان (هذا هو في الحقيقة الموقف الرسمي الأمريكي حتى الآن) ويطلب غازي في مقاله ان نتذكر أولا أن الديمقراطيين كانوا، من حيث الخطاب السياسي، الأسوأ تجاه السودان في تاريخ العلاقات المشتركة خلال الأعوام العشرين الماضية. كما ينبغي أن نتذكر ثانيا، أنهم كانوا الأكثر استعدادا لاتخاذ إجراءات عملية لضرب تلك العلاقات، بما في ذلك الإجراءات العسكرية.
دولتان من الدول المصنفة امريكيا برعاية الارهاب خرجتا من القائمة هما ليبيا وكوريا الشمالية، وتحسنت علاقة ليبيا مع الولايات المتحدة بعد قرارها عام 2003 التخلي عن أسلحة الدمار الشامل وتفكيكها ، فرفعت واشنطن عنها العقوبات الاقتصادية وأزالت اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستأنفت العلاقات الدبلوماسية معها، اما كوريا الشمالية فحُذف اسمها من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب بعد ساعات من تقديم بيونجيانج تفاصيل عن أنشطتها النووية في يونيو من العام الماضي، ويضع الدكتور غازي صلاح الدين معادلة لنجاح العلاقات السودانية الأمريكية مستوحاة من آينشتاين تقول اذا كان النجاح هو (أ) فإن:أ = س + ص+ زحيث (س) هي الإرادة السياسية الأمريكية، و (ص) هي الإرادة السياسية السودانية، و(ز) هي مجموعة الإجراءات العملية التي على الطرفين، أو، بصورة أدق، بوسع الطرفين اتخاذها. موضحا ان حزمة الإجراءات المطلوبة من الطرفين، تحوي قائمة طويلة تحتاج إلى كد ذهني لتحديدها، وأكثر من كد ذهني لتقديم مقترحات عملية حولها.
يشار الى ان العقوبات المفروضة على الدول الراعية للإرهاب تتم عبر خمسة قوانين امريكية. الاول، قانون حظر تصدير السلاح ويمنع تصدير وإعادة تصدير كل أشكال الأسلحة في شكل بيع أو تأجير ويمنع كل التعاملات المالية في الأمر مع أي دول يتم تصنيفها إرهابية. الثاني، قانون إدارة الصادرات وبموجبه مطلوب إذن من الحكومة الأمريكية لتصدير أي مواد أو تقنيات لدولة مصنفة كإرهابية ويجب عرض أي مواد مطلوب تصيرها على الكونغرس للحصول على الإذن. الثالث، قانون المؤسسات المالية ويلزم الولايات المتحدة معارضة قيام البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي بتقديم قروض ومساعدات لدول إرهابية. الرابع، قانون المساعدات الأجنبية ويحظر المساعدات الغذائية ومساعدات المنظمات الطوعية. الخامس، قانون الاتجار مع العدو وفيه كل أشكال الاتجار محظورة.
التقي محمد عثمان :الصحافة