(كسور وبواقٍ)!
-1-
الدكتور منصور خالد، حينما كان يتحدث في حوار صحفي بعد أشهر من عودته للبلاد بعد طول غياب.. قال إنه لاحظ أن بعض أصدقائه القدامى بالخرطوم، في زحمة انشغالهم بالهموم اليومية، لا يعيدون ترميم أسنانهم بعد سقوطها. والملاحظة المنصورية تتجاوز الأفراد إلى الأحزاب كذلك.. فحتى تنعم الساحة السياسية بابتسامة عريضة، يصبح من المهم أن تراجع الأحزاب أطباء الأسنان للترميم والتقويم!
(الابتسامة العريضة) في ظل تشوه الأسنان وتسوسها، لن تضيف إلى المشهد سوى مزيد من القبح.
-2-
الاعتذار في الثقافة السودانية عادة يكون مظنة الضعف والوهن.. لذا تكتسب أخطاؤنا حصانة من المراجعة، وإعادة النظر. فهي تظل دائماً محروسة بالتبريرات والحماقات.
والشائع في العمل العام، أن الذي يعتذر عن خطئه، لا يفعل ذلك إلا تحت عوامل الضغط العالي، أو تحت تأثير الإغراء الذي لا يقاوم.. أو أنه يريد استخدام الاعتذار كرخصة جديدة للحصول على مزيد من الفرص.
-3
السودانيون بطبعهم وطيبتهم، سريعو الاستجابة للاستفزاز.. قلت لسياسي مثير للجدل: (كثير من التصريحات التي تطلقها، مصدرها في الأساس، رغبة انتقامية، رداً على تصريح صادر من الضفة الأخرى).
وتصريحات تخرج من هنا تأتي (ساخنة ولاذعة)، كأنها تستجيب لدعوة منازلة أو تبتدر نداءً للبطان: (الرهيفة التّنقد).
والرهيف هو وطن مكسي بالجراحات الغائرة التي لا تحتمل العلاج بـ(زيت الفرملة).
-4-
القدر وحده الذي ألقى بنا في طرقات مهنة تستمد حيويتها من نشر الأخبار السيئة، الحروب، التوترات الأزمات، السيناريوهات المتوقعة.
نعم هذا الشعب النبيل في حاجة إلى ما يدعم صموده في مواجهة الأخبار السيئة، التي تحملها له صحف الصباح السياسية تتوعده بالحروب، والاجتماعية تبشره بالانهيار، والرياضية تزف إليه الهزائم.. فتضطره الأخبار لأخذ جرعة يومية من المحبطات.
-5-
في زياراتي المتعددة للدول العربية، وقفت على حقيقة مؤلمة، وهي أنك في كثير من الأحيان تقيّم (مالياً واعتبارياً) بوزن الدولة التي تنتمي إليها، لا بما تحمل أنت من مؤهلات وصفات مميزة!
ووزن دولتك وصورةتها تحددها الأخبار التي تنقل عنها، والنكات التي تروى عن مواطنيها، والصور التي تعرض عن منتسبيها في المهاجر ودول الاغتراب.
-6-
المعلومات كائنات ضوئية، من المستحيل احتجازها في الأدراج.. فما لم تقله أنت سيقوله الآخرون، بالسياقات والألوان التي تخدم أجندتهم وتضر بسمعتك.. وما لا يسمعه المواطن منك، سيتكرم به الآخرون كذلك، وسيتركون لك فقط حق الملاحقة اللاهثة بالنفي والتعليق والتعامل الخاسر مع المترتبات.
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني