عبد اللطيف البوني

هدنة جامعية


[JUSTIFY]
هدنة جامعية

لدهشته وجد سيارة همر (الهمر سيارة أمريكية فارهة ولّا أنا غلطان؟) تقف عند إحدى الكليات الجامعية، فقال لرفيقه: معقولة في أستاذ جامعي عنده سيارة همر؟ إيه الطفرات دي؟ دروس خصوصية، الجامعات دخلتها الدورس الخصوصية ونحن ما جايبين خبر؟ حيلك حيلك يا أبو الشباب أستاذ شنو وجامعي شنو؟ دي سيارة بتاعت طالب. يبدو أن صاحبنا المندهش من الزمن الذي كانت فيه العربات الصغيرة القليلة الموجودة في الجامعات تخص الأساتذة فقط، وهو لا يدري الانقلاب الحاصل في المجتمع السوداني.
مهما قللنا من دور الجامعة التربوي باعتبارها مؤسسة أكاديمية في المقام الأول، إلا أننا لا يمكن أن نغض الطرف عن مثل هذه الظواهر الاجتماعية المتمثلة في التفاوت الحاد في الإمكانيات المادية، ليس بين الطلاب أنفسهم، بل بين الأساتذة والطلاب، نسبة للتفاوت الطبقي الحادث خارج أسوار الجامعات؛ ففي الدول الرأسمالية كأمريكا مثلاً، المسألة محلولة، لأن هناك جامعات طبقية، فمثلاً جامعة هارفارد لا يدخلها مثل ود أخونا بارك حسين أوباما، فهذا مكانه هاورد، وكذا إنجلترا وفرنسا وغيرها؛ فجامعات القادة والأثرياء معروفة، وجامعة ناس (قريعتي راحت) معروفة.
المشكلة في السودان أن الجامعات الطبقية لم يكتمل ظهورها بعد. نعم لقد بدأت في الظهور وهي متحركة نحو الاكتمال بوتيرة متسارعة، ولكن إلى أن تظهر سوف تكون المشكلة الاجتماعية المشار إليها هنا قائمة، فهذه الفترة التي تقع بين الظهور والاكتمال تعتبر فترة انتقالية، وأي فترة انتقالية تعتبر مرهقة ولها ضحايا، فالمطلوب الآن العمل على تقليل الضحايا بقدر الإمكان، وهذا يتطلب قدراً من التضحيات، وهذا بدروه يتطلب وعياً اجتماعياً بطبيعة المرحلة.
كمثال لضحايا هذة المرحلة نذكر هنا على سبيل المثال فقط، قصة الأستاذ الجامعي الشاب المتفوق الذي تخرج من جامعة حكومية ونسبة لتفوقه تم استيعابه كمساعد تدريس، فبعث للخارج وواصل تفوقه، وعاد متأبّطاً الدكتوراه، ولندرة تخصصه كان متعاوناً مع عدة جامعات، وفي إحدى الجامعات الخاصة، وقعت في غرامه إحدى طالباته من طبقة (الهمر) فتقدم لخطبتها، وهو واثق الخطى متكئاً على نبوغه الأكاديمي، وبما أنه من غمار ناس السودان، كان مصيره الاستهزاء، إن لم نقل الطرد، ولم يشفع له شبابه ولا وسامته ولا تخصصه النادر. يمكننا أن نتخيل ردة فعل هذا الشاب، وأخشى ما أخشاه أن تكون أسرته والبلاد قد فقدتاه.
قديماً كانت الشهادة الثانوية فقط، كفيلة بأن تجعل صاحبها يطرق باب أغنى أسرة، ويطلب يد ابنتها لأن التفاوت الطبقي لم يكن كما هو عليه الآن من اتساع الهوة والشراسة. المشكلة هنا في تقديري تكمن في الجامعات الحكومية، فهي ما زالت هي المسيطرة على التعليم العالي وصاحبة السمعة الحسنة، وهي التي تفرخ أساتذة الجامعات، ولا أحد يمكن أن يمنع أبناء الأثرياء من دخولها، لأن هذا حق دستوري لهم، حتى ولو عن طريق القبول الخاص، ولكن المطلوب من أبناء هذه الطبقة عندما يدخلون هذه الجامعات، أن يلتزموا بشروطها الاجتماعية التي تفرضها الأعراف وليس القوانين، فالعرف أشمل من القانون، والمطلوب من جامعات الأغنياء أن تؤهل أساتذتها من خريجيها أبناء الأثرياء بأعجل ما تيسر، ليكونوا المدرسين فيها، فالطبقية أصبحت أمراً واقعاً (أكان نرضى أكان نزعل).

[/JUSTIFY]

حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]