جعفر عباس

تعليم أوانطة هاتو فلوسنا

[JUSTIFY]
تعليم أوانطة هاتو فلوسنا

أعود للمرة الألف إلى موضوعي الأثير، وهو حال التعليم عندنا، أو بالأحرى عدم وجود تعليم حقيقي عندنا، والمأساة الملهاة، هي أن الغش في الامتحانات، وبسبب بؤس المدخلات والمخرجات التعليمية صار من الشيوع، لدرجة أن الجامعات لم تعد تعترف بنتائج الشهادة الثانوية العامة، بعد أن ثبت لها أن من ينجح بنسبة 72% قد يكون أعلى قدرات أكاديمية من ذلك الذي أحرز 97% من الدرجات.. والغش كالفساد وخيانة الأمانة لا يتفشى إلا في وجود الظلم الفادح.. والمناهج المدرسية (والجامعية) وطرق التدريس عندنا تظلم الطالب ظلما فادحا لأنها لا تحترم ولا تختبر ولا تطور عقله.. ليس من حق الطالب أن يسأل مثلا: لماذا حفر الخديوي إسماعيل قناة السويس؟ فالإجابة جاهزة: لأن المقرر يقول هكذا يا غبي… حفرها وخلاص وجزاه الله خيرا؟ طيب يا أستاذ هل كانت المسألة تستأهل التضحية بحياة عشرات الآلاف من الفلاحين البسطاء؟.. بلاش فصاحة وانتبه فقط لما هو مكتوب في كتاب «الحكومة»، وطبعا، بمجرد ورود «سيرة» الحكومة لابد من تصنع البكم والخرس والصمم طلبا للسلامة! من الأقوال المخزونة في ذاكرة الشعب الأمريكي ما قاله رئيسهم الأسبق جون كينيدي في ذات خطبة: هناك من ينظرون إلى الأشياء التي تحدث من حولهم ويتساءلون: لماذا؟ (أي لماذا حدث الأمر بتلك الطريقة؟) ولكنني أفكر في الأشياء التي لم تحدث وأتساءل: لِم لا؟ أي ان كينيدي يقول إنه لا يكفي التفكير في البديهيات أو الأمور التي صارت واقعا، فمهمة العقل أيضا- هي السعي لإيجاد أجوبة لأشياء ومسائل ما زال كنهها وعناصرها مجهولة.. إنها دعوة لـ«الاستشراف».. إذا اكتشفت ان اللحاف أقصر من رجليك، فلا تكتف بضم رجليك، فتصاب بشد عضلي، بل فكر في طريقة لتطويل اللحاف حتى يوفر لك الغطاء/الستر/الدفء المطلوب.. لا تلطم لأن فلان نال علاوة لأنه مسلح ببكالوريوس وكل حيلتك «دبلوم»!! اجتهد لترفيع الدبلوم إلى ماجستير وليس فقط بكالوريوس. وعاماً بعد عام تهدر مئات الملايين في أنحاء عالمنا العربي التعس في إعادة صياغة وطباعة المناهج.. يعني رضينا بالهم والهم هو الذي لا يرضى بنا.. فلو بقيت المناهج على بؤسها ثابتة لنحو سبع او عشر سنوات لكان ممكنا اكتشاف مكامن الضعف والقوة فيها، وتعديلها وتطويرها بدلا من رميها في الزبالة و«هات واحد منهج جديد وصلحه يا أسطى».. ولو كانت هناك آليات مقبولة وفعالة للتقييم المستمر للطالب، لما مثلت الامتحانات عنصر ضغط نفسي وجسدي على الطالب وأسرته.. والغريب في الأمر ان وزارات التربية في العالم العربي تحس بالتقصير، وتدرك أن مناهجها لا تحترم العقل ولا تستفزه، لأنها مصممة باعتبار ان جميع الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.. وتعرف، من ثم، أن معظمهم لن يتمكن من الحصول على درجات نجاح عن جدارة! طيب ما الحل؟ نترك نحو 65% من الطلاب يرسبون في الامتحانات المصيرية؟ يا عيب الشوم.. سيكون هذا فشلا للوزارة وستشرشحنا الصحافة! الحل هو ان نضيف إلى المنهج مقررات «أي كلام».. تناتيف من علم الاجتماع.. والمجتمع.. والفلسفة.. وعلم النفس.. وطرق البحث.. والسح الدح أمبو.. ويا حظ من نفع واستنفع.. ينال الطلاب درجات مضمونة في هذه المواد وترتفع نسبة النجاح، وتكون الوزارة «في السليم»… ما زلت أذكر بإعجاب ما قاله آخر وزير تربية في عصر حسني مبارك في مصر: لو حد بعد كدا جاب في امتحان الشهادة 90% حأروح بيته لتقديم تهنئة شخصية»!!
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]