تحقيقات وتقارير

الدولار :الرقص على مزمار المضاربة !

بدأ الأمر غير طبيعي ومثير للقلق لدى الكثير من المستثمرين الأجانب في السودان عندما خرجت المحكمة الجنائية بذلك القرار، طلب توقيف الرئيس في الرابع من مارس لعل الكثرين قد ذهبوا إلى أن هذا القرار هو السبب المباشر في الارتفاع الذي حدث بعد ذلك في أسعار العملات وما تبعه من إجراءات أقرّها بنك السودان المركزي بخصوص استبدال وتحويل العملات الأجنبية إلى الخارج..
تحقيق: أمين أحمد إلا أن الشاهد في الامر وجود كثير من التداخلات والتعقيدات قد بدت في صنع مسارات لها في حركة الاقتصاد المحلي كان من شأنها أن تصنع الراهن الآن الذي يبدو ملبّداً بالغيوم وإن لم يحدد بأي أرض سيسقط ماؤها. فرياح الأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال غير واضحة في تحديد المدى الذي وصلت إليه آثارها في الاقتصاد السوداني وما استجد من محفزات وتبعات من الممكن حدوثها من قرار محكمة الجنائيات على الرغم من التطمينات التي أرسلتها الحكومة، ولم تنه حالة التوتر التي انتابت بعض الأوساط الاقتصادية، ومن ثم كانت سلسلة الإجراءات التي أتى بها البنك المركزي، فهل هي سياسة لمنع الاستثمارات من الهروب، أم هي خطوة من مقتضيات الأزمة الاقتصادية العالمية تعمل على تقييد التحويل الخارجي بالعملات الأجنية كتكتيك مرحلي للحفاظ على رصيد من النقد الأجنبي داخل البلاد كاحتياطي للبنك المركزي، أم أن الذين تأثروا بهذه الإجراءات ليسوا من الذين تعول عليهم الحكومة في سياساتها الاقتصادية كمستثمرين؟!
وقد حاولت الوصول الى نقاط تقود الى بعض التفسيرات مبتدءاً من بوابة قرار محمكة الجنايات الدولية والذي قد يكون له آثار اقتصادية.. وقد طرحت تساؤلات على البروفيسور عصام عبد الله بوب الخبير الاقتصادي واستاذ الاقتصاد في جامعة النيلين والذي قال لي: من وجهة النظر الاقتصادية فإن هذا القرار يعتبر جزءاً من وسائل الضغط السياسية لكنه جاء في ظروف اقتصادية عالمية خاصة جداً، فعاصفة الكساد العالمي التي تضرب كل أركان الاقتصاد الدولي الآن قد بدأت آثارها تظهر في اقتصادنا المحلي كجزء من اقتصاديات دول كثيرة تأثرت. ولعل هذا هو الأثر الحقيقي الذي يعاني منه الاقتصاد السوداني وسيعاني منه مع استمرار هذه الأزمة، فالتأثير المباشر على الاقتصاد السوداني هو انخفاض أسعار البترول، وهذا يلقي بتبعاته على الجوانب الأخرى من العملية الاقتصادية وأتوقع أن تكون هنالك تأثيرات على حركة الاستثمارات في البلاد وفي تقديري أن معظم الاستثمارات العربية والأجنبية لا تتجاوز (2%) من حجم الأموال التي خسرتها هذه الدول في الانهيارات المالية في أسواق المال العالمية.
ولكن ما ذهب إليه البروف بوب لم يخف حقيقة أن هنالك مستثمرين جاءوا الى البلاد في ظل قوانين تشجيع الاستثمار وقد تأثروا بشكل او بآخر من الإجراءات الءخيرة التي اتخذها بنك السودان بخصوص تحويلات النقد الاجنبي.
و ذكر احد اولئك المستثمرين وطلب عدم ذكر اسمه أو جنسيته قائلاً: نحن لسنا من أصحاب الأموال الكبرى، ولكن قطعاً جئنا للعمل من خلال ميزات الاستثمار الموجودة، ولكن حركة القيود التي تجري الآن في الصرافات والبنوك تزيد من حالة القلق لدينا وربما نتوقّف عن العمل إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال وبيد أن حركة الاستثمارات التي قام بها مجموعة من العرب والأجانب استفادوا من قوانين الاستثمار او قوانين أخرى مثل قانون الحريات الاربع هم الآن الأكثر تأثراً من هذه القرارات الخاصة بالنقد الأجنبي. وقد سألت أحد الذين يعملون في سمسرة العملات في سوق ام درمان وطلب عدم ذكر اسمه عن الآثار التي ترتبت على اجراءات البنك المركزي فقال إن النشاط قد زاد في سوق العملات بعيداً عن البنوك والصرافات عبر مكاتب الوكالات وتجار العملة والتي تقوم الآن بعملية التحويل الخارجي والاستبدال دون اللجوء الى نوافذ البنوك والصرافات. والسوق خارج اطار البنوك او الصرافات ليس فيه ازمة بالنسبة للعملات ومن السهل توفيرها، ولكن صعوبة الإجراءات الجديدة في البنوك والصرافات هي التي حققت لنا الانتعاش، ونحن نقوم بعمليات الاستبدال للعملات وفقاً للسعر الجاري ومكاتب الوكلاء يستلمون الأموال هنا ويحولون إلى البلاد التي يريدها المتعاملون معهم دون تحديد لحجمها مقابل نسبة محددة بين الطرفين. ويبدو أن الاتجاه الى مكاتب الوكلاء أصبح أحد الحلول التي لجأ إليها الراغبون في التحويلات الخارجية من سودانيين وأجانب في تحرك للتحايل على صرامة الإجراءات من البنك المركزي، ولكن ثمة شكلاً آخر ابتدعه سماسرة العملة، كما يقول ذلك الرجل، يشهد ازدهاراً هذه الايام حينما قال لي قد بدأ تجار العملات في محاولة الحصول على أكبر كمية من العملات بالسعر الحكومي من نوافذ الصرافات عبر شراء صور جوازات السفر الحاصلة على تأشيرات الخروج وقد ازدهرت هذه التجارة للاستفادة من منشورات بنك السودان بالحصول على (3000) يورو بصورة من جواز السفر الحاصل على ختم تأشيرة الخروج، وقد وصل سعر صورة جواز السفر الحاصل على تأشيرة خروج إلى (20) جنيهاً لصورة الجواز الواحد. وبالطبع فإن تلك العملات ستدخل الى الاسواق بشكل أو آخر بالإضافة إلى ذلك، إن هنالك الكثير من العاملين في المنظمات الدولية اصبحوا يستبدلون العملات في الاسواق بعيداً عن البنوك والصرافات. وعلى الرغم من ذلك فإن كثيراً من الخبراء يرون ان الاستثمارات لم تتأثر من هذه الاجراءات فهي لا تصل إلى حد الاستثمارات التي تؤثر في عملية الاستثمار كنشاط اقتصادي، ولكن هل تأثرت قدرات البلاد في توفير العملات الصعبة مما دفع البنك المركزي لاتخاذ مثل هذه الإجراءات سؤال طرحته على دكتور عادل عبد العزيز الخبير الاقتصادي والباحث في مركز دراسات المستقبل، والذي قال لي لقد تأثر وضع السودان من حيث قدرته في الحصول على العملات الاجنبية بسبب انخفاض ايراداته من الدولار بعد الهبوط الكبير لاسعار البترول ويسعى البنك المركزي في السيطرة على الاسواق عبر الاجراءات الملزمة للبنوك والصرافات ويذهب بروفيسور عصام بوب في نفس الاتجاه حينما قال لي إن الإيرادات التي تحتاجها الدولة قد تقلصت إلى ما دون خمسة مليارات دولار للعام الواحد كأثر مباشر لانخفاض النفط من جراء الأزمة المالية العالمية. إذن، فالأزمة المالية العالمية وتفصيلاتها الحادة في نقص الايرادات من الدولار هي السبب الرئيسي في نقص الاحتياطات الدولارية. ولكن هل نجحت اجراءات البنك المركزي في توفير اكبر قدر من العملات الصعبة داخل البلاد ام انها أسهمت بشكل غير مباشر في نشاط سوق السمسرة والخروج عن سيطرة البنك المركزي الى جانب ضمور بعض أشكال الاستثمار الصغيرة. ولكن الدكتور عادل عبد العزيز كان له رأي آخر حينما قال: إن الأثر النفسي من تداعيات الظروف المحيطة بالاقتصاد السوداني بدءاً من قرار المحكمة الجنائية وتداعيات انخفاض أسعار النفط جعل الأسواق في حالة قلق وهو السبب المباشر في ظهور بعض حالات التحايل، ولكن لم يصدر بنك السودان ما يشير إلى أنه غيّر سياسته بخصوص الاستثمار.
وما بين ارتفاع نشاط السوق الموازي وتعدد الإجراءات في معالجة تحويلات النقد الأجنبي يقف كثير من التجار والمستثمرين في حالة تشوبها الحيرة والقلق في انتظار قرار أو لائحة من بنك السودان تزيد الأمر تعقيداً أو تحدث إنفراجاً في علاقة الصرف الاجنبي ونوافذ البنك المركزي الرسمية.
أمين احمد :الصحافة