إخصائي المسالك الإدارية
:: ومن لطائف الإنجليز، قصد الفلاح طبيب القرية بعد أن داس حصانه على قدمه، فناوله الطبيب بعض القطرات ثم واصل في صرف أجور العاملين معه، فصاح فيه الفلاح غاضباً : ( ما هذه القطرات؟، قدمي هي التي تؤلمني وليست عيوني)، فرد الطبيب بذهن شارد : ( أعلم ذلك، فالقطرات لعيون الحصان)، ثم واصل في صرف أجور العاملين..وعليه أيها الكرام ، لكي لا تشغل الطبيب بغير الطب، تجاوزت مشافي العالم المتحضر – قبل عقود طويلة – محطة أن يجمع الطبيب بين (الطب والإدارة)..عفواً، ليست مشافي العالم المتحضر فحسب، بل حتى مشافي بعض دول العالم الثالث والأخير تجاوزت محطة أن يكون الطبيب ( إدارياً)..!!
:: إدارة المشافي – وهي فرع من علوم الإدارة – صارت علماً يُدرس بالكليات والمعاهد العليا.. ويتخرج خريج تلك الكليات والمعاهد – بعد سنوات التعليم النظري والعملي- بكيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي العامل بذات المرفق..ولكن هنا في السودان – والحمد لله على كل حال – يبدأ إستشاري أمراض القلب يومه بأمر من شاكلة : ( يا حماد سقيت النجيلة؟)، ثم يختم يومه بأمر أخر من شاكلة : ( يا حسين إملا الأزيار)..ويغرق إستشاري أمراض القلب في بحر تلك الأوامر الإدارية طوال ساعات العمل بصفة ( المدير العام) أو (مساعد المدير العام)..وبالتمادي في هذا النهج المتخلف، تكون أوجاع الناس والبلد قد فقدت نطاساً بارعاً في عالم الطب، وذلك بتحويله إلى ( إداري فاشل)..!!
:: إدارة المشافي بواسطة الشركات كوادرها درست علوم الإدارة ليست بدعة في عالم اليوم الذي يقدس المؤسسية وتخصصاتها، ولكن مجرد الإقتراح بخلق هذا النوع من الإدارة الحديثة في مشافي بلادنا يعد نوعاً من الجنون..فالتقوقع في نُظم حياة ما قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام هو الأصل الراسخ في عقول سلاطين بلادنا..ولذلك، أي لعدم التحديق في تجارب الآخرين الناجحة و مواكبتها، ليس في الأمر عجب حين تحذرنا دول ذاك العالم الناهض من مخاطر تساقط أقمارها الصناعية على الأرض – بعد آداء واجبها كما يجب – في ذات اللحظة التي يتساقط فيها ضحايا حروب داحس والغبراء في ربوع بلادنا في صراع حول المراعي والمياه و( الدهب).. المهم، نتجاوز مقترح إدارة المشافي بالشركات المتخصصة، ونقزم الطموح بحيث يكون المقترح إدارة المشافي بواسطة الذين درسوا علوم الإدارة وتخصصوا فيها، و ليس بواسطة الذين درسوا علوم الطب وتخصصوا ( في المخ والأعصاب)، على سبيل المثال..!!
:: بفضل الله ثم بكفاءة الكادر، نسبة الأخطاء الطبية في بلادنا ليست مزعجة حين تقارنها بكل دول المنطقة..ولو كانت تلك النسبة مزعجة، لما تخطفت دول الخليج – وغيرها – كوادرنا الطبية لحد تفريغ مشافي بلادنا منها، أو كما الحال الراهن ..فالطبيب السوداني بخير حين يتفرغ لمهنته، ولكن يتحول هذا الخير إلى كوارث حين يتم تحويل هذا الطبيب من مهنته الطبية إلى ( مهنة إدارية)..إنهيار أسقف العنابر على المرضى و إستبدال الأطفال في الحضانات وعدم توفر الأوكسجين في الطوارئ و تزاحم القطط والكلاب في حيشان المشافي – و غيرها من الفضائح – ليست بأخطاء طبية، ولكنها (كوارث إدارية)..!!
:: الكوارث الإدارية مردها أن المدير العام ومساعد المدير العام ومستشار المدير العام – و مش عارف شنو كده المدير العام – جمعوا بين مهنتي (الطب والإدارة) بلا أي معرفة بقواعد وعلوم ومتطلبات (المهنة الثانية)..الدول والشعوب لا تنهض إلا بمؤسسية تخصاصتها تضع (العقل المناسب) في ( الموقع المناسب)، وليست من علامات النهضة أن تهدر الحكومة العقول الطبية في مواقع : ( يا عثمان نضف العنابر) و( يا أحمد جيب الفواتير)..لو كل مسؤول عاد من رحلة العلاج بالأردن أو النقاهة بماليزيا بتجربة حديثة لتغير الحال هنا إلى الأفضل، ولكنه للأسف لا يعود من رحلة العلاج أو النقاهة إلا بالحقائب و ( باقي النثرية)..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]