إلى جوبا ..!
في صالة المغادرة في مطار الخرطوم … صالة السفريات الدولية وليست الداخلية … المرة الأولى التي أتوجه إلى جوبا بتأشيرة خروج من الداخلية السودانية بمبلغ 80 جنيها وتأشيرة دخول من سفارة دولة جنوب السودان بمبلغ 220 جنيها … المرة السابقة التي سافرت فيها ضمن وفد رئيس الجمهورية لا أعتبرها سفرية خارجية بالرغم من أن إدارة المراسم اخذت جوازي وصورتين باسبورت … ولكنها كانت سفرة سياسية جميلة ومفعمة بالإثارة تذكرني بأيام حكومة الوحدة الوطنية ومشادات البرلمان بين عرمان والمؤتمر الوطني … وتذكرني أيضا برحلتنا مع النائب الأول لافتتاح سد مريدي في (الزمن بعد الضائع) لإنقاذ الوحدة … وهيهات حينها مع (حقنة كمال عبيد)!
شعوري بأنني أجنبي في جنوب السودان وشعوري بأن الجنوبيين أجانب في شمال السودان شعور سيء ورديء ولن اتوافق معه نفسيا ولن اكذب ولن أتجمل … الجنوبيون عندي مواطنين سودانيون والشماليون عندي مواطنون في جنوب السودان … الجانب الشعوري لم ولن يتغير ولكن الجانب السياسي نذعن له باعتباره سياسة الأمر الواقع ..!
جلست في السفارة مع الديبلوماسي المثقف واللبق جبرايل دينق في سفارة جنوب السودان وتناولت معه أقداح الشاي والقهوة الواحد تلو الآخر قبل أن يعود إليَّ جواز سفري وهو يضم تأشيرة جنوب السودان … فتحت الجواز بلهفة لأراها … زرقاء وجميلة وملونة وعليها ختم رسمي … أعجبتني بالرغم من مرارة الفراق … ورددت في نفسي أنا إذا أجنبي في جزء من بلادي … أربعون عاما انقضت من عمري وأنا أعتقد أن السودان مليون ميل مربع ثم اتضح الآن أن اعتقادي (كاذب) … حالة من التناقض رفضتها باكرا وسكبت عليها دمعا سخينا وأرفضها حاليا ولن أتزحزح … والحمد لله كنت من الكتاب الذين واصلوا في الكتابة في صحف الجنوب بعد الانفصال وعنوان عمودي (ما زلت وحدويا) ..!
احترام سيادة واستقلال الجنوب شيء ولكن هذا التناقض اللعين شيء آخر ..!
دعونا نتوقف عن هذا الحديث العاطفي ونعود للواقع … تشخيصي لما حدث أنه انقسام سياسي للسودان … وليس انقساما شعبيا … دعونا إذا نحاصر هذا الإنقسام في شقه السياسي السيادي … دعونا نعجل بتنفيذ إتفاقيات الحريات الأربع وفتح المعابر وعودة الجنوبيين إلى الشمال لينالوا فرص العمل والدراسة والاستثمار … وعودة الشماليين للجنوب لينالوا ذات الفرص … دعونا نرى ممتلكات وشركات و(بزنس جنوبي) في الشمال وممتلكات وشركات و(بزنس شمالي) في الجنوب … دعونا نرى اتفاقيات حريات أربع حقيقية في شقي السودان ..!
رحلتي هذه المرة إلى جوبا تحت رعاية السادة الالمان … الدوتش فيلا ومنظمة إم آي سي تي وآخرين … الجولة الأولى كانت في برلين سبتمبر 2012 … والجولة الثانية في جوبا … لقد اختار الألمان إعلاميين من شقي السودان ونجحنا سويا في تدوين إعلان برلين العام الماضي وسندون سويا إعلان جوبا هذا العام … وسندون إن مد الله في الآجال إعلان الخرطوم العام المقبل … من أجل صحافة تنطق بمصالح البلدين .. من أجل صحافة مؤيدة لاتفاقيات التعاون دون تردد أو مزايدة … عفوا شقي السودان ..!
وإلى سلم الطائرة ونلتقي في جوبا في العدد القادم ..!
[/JUSTIFY]
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني