تحقيقات وتقارير

الوجبة والكرسي: بين ما يطلبه الشعب وما يفعله السياسيون تبرز معادلة عدم الاستقرار السياسي بالسودان

[JUSTIFY]”أخبرونا بغنى الضفادع بالبروتينات، ثم ذهبوا ليذبحو لنا الحمير.. العبارة التي تتداولها الأوساط الشعبية في طول البلاد وعرضها ويتناقلها الناس وهم يمارسون حق الضحك المحظور على واقع اقتصادي بات يؤشر إلى المزيد من المعاناة في مقبل المواعيد.

الشارع الحكومي في الأيام الماضية يتحدث بلغة الوعد بموجة جديدة من رفع الدعم. الموجة من المؤمل أن تهب رياحها في يناير وليس سبتمبر كما حدث في العام الماضي، وما أعقبه من تداعيات على المستوى السياسي من مواجهات أفرزت عدداً من الضحايا العزل، في وقت ما زال البعض ينتظر ما توصلت إليه التحقيقات. لكن سبتمبر المواجهات سرعان ما تحول إلى أداة سياسية أنتجت برنامجا للحوار الوطني لم يخرج من حالة التجاذب والاستقطابات بين المجموعات السياسية ورؤاها المتعارضة كمصالحها. فالكل يحاول توظيف ما حدث لتعظيم مكاسبه على المستوى السياسي. في وقت ظلت فيه القضايا الاقتصادية بدون معالجات ناجعة، وأن حلولها المقترحة تنتج مزيداً من الأزمات. أزمات دفعت بعرّاب الخصخصة الاقتصادية في النسخة الإنقاذية، الدكتور عبدالرحيم حمدي، لصب جام غضبه ولعناته على السياسات الاقتصادية والمطالبة بإعادة كرة رفع الدعم عن الوقود مرة أخرى.

بعيداً عن خطاب حمدي، ثمة خطابات أخرى للسياسيين لذات الموضوع. فمعتمد الخرطوم يتفقد مواقع البيع المخفض في المدينة وتخرج منه الكلمات: (من قاموا بذبح الحمير يستحقون الإعدام) لكن الموت الذي يتحدث عنه معتمد المدينة يبدو محيطاً بمواطنيه حين تعجزهم عملية ملاحقة الأسعار التي باتت وكأنها تحتاج لعربات مزودة بقدرات خاصة من قبل المواطنين, أحدهم يعلق.. ما لم تستطع أن تفعله الحرب ربما يفعله السوق، والموت في نهاية المطاف هو الموت. محاولات السلطة في استمرارية الحياة، دفعها لاتخاذ خطوات أخرى. والي الخرطوم يعلن عن دعم سبع سلع رئيسة، ولكن الخضر يتحاشى الحديث عن القفة، ربما لاتساع مساحتها عن قدرات الولاية المالية. وهو ما دفع بالحكومة الاتحادية للتحرك عبر توجيه أصدره نائب الرئيس، حسبو، لبنك السودان، يطالبه بتوفير عملة حرة للولاية من أجل دعم السلع، وطالب الولاية بجلب اللحوم الحمراء من مناطق الإنتاج وطرحها في أسواق البيع المخفض وزيادة عدد مراكز الإنتاج الحيواني، وأكد نائب الرئيس، في اجتماعه بحكومة الولاية، دعم الدولة لخطط وبرامج ولاية الخرطوم الرامية للسيطرة على ارتفاع الأسعار وتوفير السلع. ما يجري على الساحة الآن، ينبئ بحالة من الاهتمام السياسي بالوقائع الاقتصادية الماثلة أو ما يمكن تسميته إحساسا سياسيا بوجعة الشعب الاقتصادية, لكن ما تقوله السلطة ليس بالضرورة أن يستقبله المكتوون بنار السوق بذات الإحساس.

حالة من التباين تبدو ماثلة للعيان في متابعة المشهد السوداني بين رغبات الساسة وبين مطالب الجماهير. فالحراك السياسي يمضي الآن وفقاً لمؤشر الحوار المطروح من قبل الحزب الحاكم، بينما تعتصم المعارضة بميثاق باريس باعتباره خارطة الطريق الجديدة للوصول إلى “ميس” الاستقرار الوطني. بين الخطين تمضي المسيرة التي ينتظرها في محطة أخرى صندوق تكلف عملية الوصول إليه خزينة الدولة ما يزيد عن الـ800 مليون جنيه بحسب أرقام مفوضية الانتخابات التي تنتظر هلة أبريل.

الحزب الحاكم يتجه نحو الصناديق وهو يحدد معايير مرشحيه للمناصب التنفيذية في المركز والولايات، ربما كان آخرها ما طرحه مسؤول الحزب التنظيمي حول معايير اختيار الرئيس، الـ18 معيارا. لكن المعايير الغارقة في التعميم جعلت أحدهم يعلق ساخراً.. بتنا وكأننا نبحث عن فارس للأحلام في واقع يصيبك بالجفاف، الشيخ في همهماته وبحثه يفتش عن عبارة (يوفر فيها للشعب حياة كريمة) وحين لم يجد ما يبحث عنه، ضرب كفه الأيمن بالأيسر قبل أن يردد في سره.. (ده شهراً ما عندنا فوقه نفقة) وهو ما يعني أن اهتمامات ذلك المواطن تختلف مع أماني السياسة. وقبل أن يكمل دورة قراءة الخبر، فاجأته وقفة في مكان آخر، مجموعة من النساء يطالبن بإطلاق سراح مريم الصادق وبقية المعتقلين في سجون الحكومة، وتعكس اللافتات عبارة التحول الديمقراطي والحرية. حين يقرص الجوع بقية الشعب لا تسأل عن شيء آخر. فالرجل في رحلة ذهابه وإيابه لا يطلب سوى بلاد قابلة للحياة وأكل ومياه صالحة للشرب، تعليم وعلاج متاح؛ هي أمنيات ما تبقى من الشعب الذي بات يمارس الفرجة على مشاهد وخطوات اختلافات الساسة وربما يطلق أحدهم تعليقاً في وجه الكل.. أن دعوا عنكم هذا والتفتوا إلى مصالحنا إن كنتم في خطابكم صادقين؟).

المشهد في خواتيمه ينبئ عن حالة من التباينات بين المطالب الشعبية وبين القرارات التي تصدرها الحكومة برضائها أو حتى حول عمليات الضغوط الممارسة من قبل المعارضة، فهي ضغوط هدفها الرئيس تحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة الكلية للشعب، وهو ما يعتبره البعض إحدى أدوات التعبير عن حالة عدم الاستقرار السياسي في التناقض بين المطلوبات الشعبية والقرارات الرسمية ويمثل عاملا أساسيا في حالة العزوف العام عن المشاركة السياسية والمساهمة في الأنشطة العامة وما يمكن أن تفرزه من مترتبات سالبة على العملية الوطنية برمتها.

الزين عثمان: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]