جعفر عباس

فرحنا صواريخ وفسيخ

[JUSTIFY]
فرحنا صواريخ وفسيخ

ليس من الشطط القول بأننا قوم لا نتقن صناعة الفرح، اسأل مائة شخص تلتقيهم خلال الدقائق المقبلة عن برامجهم لعطلة نهاية الأسبوع الجاري، وسينظرون إليك في استغراب، لأن كلمة برنامج عندنا لا تستخدم في الشؤون/ الحياة الخاصة.. وتحت إلحاحك للحصول على إجابة ستسمع في غالب الأحوال كلاما من شاكلة: أسهر الخميس مع الشلة ويوم الجمعة أعطيها نومة للساعة 11 صباحا… وكالعادة نتغدى عند عمي/ خالتي.. وفي المساء نلعب ورق.. نشرب شيشة.. نتسكع في المول.. واترك الأفراد وانظر إلى مراسيم الزواج عندنا (والزواج هو قمة الفرح في مسيرة كل إنسان بل إننا نسمي حفل الزواج «الفرح»).. في معظم الدول العربية تشهد حفلاً للزواج، فتحسب أنك وقعت في كمين نصبه تنظيم «القاعدة» أو طالبان باكستان لنفر من جند العلوج: طاااخ.. طراااخ.. بوووم باااام، إطلاق نار مكثف من الجهة الجنوبية يتصدى له مقاتلون أشاوس من ناحية الشمال.. وانظر هذا فتى يافع لم يتجاوز التاسعة يحمل مسدسا ويطلق النار بكفاءة عالية!! ماذا تقول في قوم يستخدمون الذخيرة الحية للتعبير عن «الفرح»؟ لو راجعت أرشيف بعض البلاد العربية فستكتشف أن ضحايا الممارسات التكساسية في الأفراح بالعشرات، بل قرأت قبل أيام عن عريس راح فطيس خلال حفل زفافه بعد أن طخه صديق كان مبتهجا بزواجه، (ولعلك لاحظت ان هناك فوارق شكلية في تركيبة كلمتي بهجة وهياج)، هذا طبعا فوق أن العريس يكون وهو يستقبل المهنئين بابتسامة بلاستيكية، مهموما بأمر المبالغ المتلتلة التي اقترضها لشراء مستلزمات الزواج من ملابس ومجوهرات وتوفير أجرة القاعة او السرادق/ الصيوان وتكاليف إطعام المئات، وبالمقابل قد تسمع الزغاريد والأناشيد في بيت أهل العروس ولكنهم وفي غالب الأحوال يكونون قد أنفقوا شي وشويات كي يكون فرح بنتهم «على مستوى».
ثم ما قولك في من يحتفلون بمقدم الربيع بتناول أسماك محنطة منذ عصر رمسيس الثاني؟ «أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا/ من الحسن حتى كاد أن يتكلما»، بيت من الشعر يضفي المزيد من البهاء على الربيع البهي أصلا، ولكننا جعلناه: أتاني الفسيخ الزِّفر يحتال (بالحاء) ضاحكا/ من الزفت حتى كدتُ أن أتبكما! الكريسماس الذي يسميه البعض عيد ميلاد المسيح لا علاقة له البتة بالمسيح، والمسيحيون يعرفون ذلك، ولكنهم جعلوا منه يوما للمّ شمل العائلات والفرفشة والسمر وتبادل الهدايا.. وبالمقابل فقد صرنا تدريجيا نتخلص حتى من المظاهر البسيطة للفرح في أعيادنا، ولم نعد نتزاور ونجتمع في بيوت معينة.. لا وقت لكل ذلك… تكتب مسجا/رسالة واحدة على الهاتف الجوال وترسلها الى كل من كان ينبغي لك زيارتهم ومشاركتهم فرحة العيد، وتقول لنفسك «عملت الواجب» وكأن المعايدة واجب مدرسي ثقيل على النفس، ثم جاءت الهواتف الذكية و«باظت» المسألة ع الآخر، لأنها جعلت الاتصالات الهاتفية تسلية، وقد يأتيك ضيف للمعايدة وأثناء حديثك معه تلاحظ أنه «يوتسب»، ويرد على كلامك بمفردات عديمة المعنى لأنه «غير مركِّز» معك: بالله؟ أيوه… مممم.
ولأننا لا نتقن صناعة الفرح فإن تجمعاتنا في المناسبات المفرحة روتينية فيجتمع ستة أو عشرة أشخاص تحت سقف واحد ويتونس كل واحد منا فقط مع من يجلس الى جواره، وأعزو هذا مجددا إلى عدم ميلنا لبرمجة لقاءاتنا في مثل تلك المناسبات.. وحتى حدائقنا العامة تصبح مقرفة في تلك المناسبات لأننا نذهب إليها محملين بالطعام والشراب ثم نغادرها وتمر بمثل تلك الحديقة بعد انصراف الناس فتحسب نفسك في «حلب» بعد غارة بشارية أسدية.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]