خليك على الأرض
كتبت بالأمس عن صديقي بهاء الذي توقف عن السفر جوا منذ أن انتهى عصر الخواجات في قيادة طائرات شركات الطيران العربية، وتم توطين/ تعريب مهنة قيادة الطائرات..
بهاء لا يشعر بأي حرج لأنه لا يثق بالعنصر العربي في مجال قيادة الطائرات، بل يقول بأعلى صوت: هم فلحوا في إيه، علشان يفلحوا في الطيران؟ نعم بهاء ترعرع في زمان كان الخواجات يسيطرون على مجريات الأمور الفنية والهندسية والإدارية في معظم الدول العربية، ثم شهد عهود الاستقلال وما صاحبها من فوضى في جميع المرافق لأن الأمور آلت إلى كوادر وطنية قليلة الخبرة وضعيفة «الذمة».. ولكن حقيقة الأمر فيما يتعلق بعدم ثقته بالطيارين العرب والأفارقة هي أنه يخاف من ركوب الطائرات، ويرى أنه طالما ان الخواجات هم من اخترعوها فهم أجدر بثقة الركاب عندما يقودونها (خلال الأسبوع المنصرم تم توقيف قبطان في شركة طيران أوروبية في مطار هيثرو في لندن بعد ان اتضح انه كان سكرانا طينة قبل توجهه لقيادة طائرة متجهة إلى نيويورك!).. وقد توقف بهاء تماما عن السفر جوا طوال أكثر من ربع قرن بعد ان اكتشف ان هناك طيارين عرباً حتى في شركات الطيران الأجنبية، وخاصة بعد أن ركب طائرة تابعة للخطوط الجوية السنغافورية وسمع بالانجليزية عبارة: كابتن «زهير» يحييكم.
ولو مد الله في أيامي فسأتوقف عن السفر جوا بعد ثلاث سنوات، لأن معظم الطائرات ستكون بلا بشر في كابينة القيادة.. يعني الكمبيوتر سيقود الطائرة بتلقي توجيهات صوتية لاسلكية من المطارات.. وأنا سيئ الظن بالكمبيوتر، ويعزز سوء ظني هذا أن بعض الكلمات التي كتبتها في السطور أعلاه وضع الكمبيوتر تحتها خطوطا حمراء، لأنها «غلط» في تقديره، بينما أعرف جيدا أنني كتبتها على النحو الصحيح، وكلما لعب الكمبيوتر دور المصحح الغبي أجد نفسي أصيح: أنت وبيل غيتس تعرفان لغتي أحسن مني؟ المهم أن الخطوط الجوية البريطانية لديها الآن طائرة من هذه الفصيلة! وبالتالي فهذا فراق بيني وبينها وبين كل شركة طيران لا يقود طائراتها بشر، وبعكس صديقي بهاء فإنني سيئ الظن بالخواجات وأثق بالطيار العربي والطبيب العربي والمهندس العربي.. الخواجات الذين التقيت بالعشرات منهم في منطقة الخليج خلال أكثر من 30 سنة أكدوا لي أنهم جنس بلطجي وفهلوي ومستهبل.. ولكن يحمل كل منهم لقب أدفايزر أو كونسلتانت أو إكسبيرت وكلها تعني بدرجة أو بأخرى «الخبير الاستشاري»، فعندنا إداريون من طينة صديقي بهاء لا يحسون بالطمأنينة إلا في وجود ذوي الشعر الأشقر والعيون الخضر أو الزرقاء.. وفوق هذا فإنني لا أثق بالتكنولوجيا، ومن ثم فليس من الوارد أن ارتكب حماقة ركوب طائرة يتولى تسييرها جهاز مزود بأسلاك! ستقول لي ان هناك كمبيوترات فائقة الذكاء! ما قولك يا شاطر في قنابل أمريكا الذكية التي قتلت 400 طفل وامرأة في مخبأ العامرية في بغداد في حرب الخليج الثانية؟ المهم انني بعد سماعي بأمر الطائرات الغبية التي ستطير بدون عنصر بشري، بحثت عن معلومات حولها في الانترنت واكتشفت انها موجودة حالياً في المجال العسكري، وأنها تقوم بمهام قتالية في أفغانستان وغيرها، وهي غير طائرات الدرون الصغيرة المخصصة للتجسس والقصف (والتي يقال عنها إنها دقيقة وذكية بدليل أنها تتسبب في موت مئات المدنيين عند استهداف قيادي واحد من طالبان أو القاعدة).. في أغسطس من عام 2004 نجت طائرة ركاب أفغانية بأعجوبة من طائرة ألمانية بلا طيار تحرشت بها فوق سماء كابول.. وإذا كان المذيع اللبناني زاهي وهبى هو من رفع شعار «خليك بالبيت»، فإنني أرفع شعار «خليك على الأرض وبلاش سفر جواً.. خالص».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]