عبد الوهاب,,, حزن مختلف
قدمت له إحدى مرؤوساته مذكرة توضح له فيها ما تراه فساداً في المرفق الذي يديره وبعد أن قرأ المذكرة جمع جميع من ورد ذكرهم في المذكرة وأعطى كل واحدٍ نسخة من المذكرة، وطلب منهم ردًا عاجلاً يكتب أمامه فبادره أحدهم بالقول سيد الوزير الزولة دي شيوعية وعندنا ما يثبت ذلك فعاجلة بالقول (قووول كااااافرة عديل,, دا ما شغلنا أنا داير رد الآن وتبدأ أنت بالذات..) هذا هو الباشمهندس عبد الوهاب محمد عثمان ابن الحركة الإسلامية منذ نعومة أظافره فهو عندما يتولى أي مهمة يتولاها بحقها.
لقد فجعت البلاد برحيله المفاجئ لأنه كان متفرداً متميزاً مخلصاً مبدعاً ما تولى أمراً إلا وأتقنه دون صخب دون ضوضاء كان يكره تصدر المجالس ويكره أكثر حديث المنابر فهو دوما يتناقص ويتقاصر ويطرف في الجلوس ويتحدث همساً، ولكن الشعب كل الشعب راه وسمعه في إنجازاته التي لم تشهد ولاية الخرطوم مثلها منذ خروج المستعمر لذلك تقدم عبد الوهاب الركب الكبير وهو محمول في صندوق واصطف خلفه الآلاف المؤلفة من الناس يتقدمهم رئيس الجمهورية وهم يصلون عليه في مقابر (التي) وأعينهم تفيض بالدمع فكان هذا أول وآخر اصطفاف خلفه في الدنيا وأشهد الله أنني لم أر في حياتي جمعاً كالذي رأيته مساء الخميس بمقابر (التي).
هذا شيء من عبد الوهاب الذي يعرفه كل السودان ولكن نحن أصدقاء طفولته وزملاؤه في الدراسة وأهله وأفراد أسرته الصغيرة والممتدة يرون عبد الوهاب آخر عبد الوهاب ود ناس ود دوليب الذي يجدونه بينهم في البكا في الزواج في المرض في الوضوع في حل المشاكل في إغاثة المحتاج في مشاركة الطربان في العمل العام وفي العمل الخاص وسط العمال في زراعته لقد كان زاهداً فيما يملك ولكنه حريص كل الحرص على المال العام كان مبذولاً لكل أهل المنطقة بفكره وتوجيهاته ومعارفة ولكنه ينكمش ويزجر إذا طمع أحدهم في حق غيره أو حق العامة لقد حباه الله بمعرفة محسنين خليجيين يزكون أنفسهم ببناء المساجد فبتوصية منه نهضت عشرات المساجد بمآذنها المشرئبة للسماء يتابعها عبد الوهاب بنفسه ولايختفي إلا يوم افتتاحها وإذا حضر تحت إلحاح يرفض اعتلاء المنبر وإذا اعتلاه تحت إصرار لايتجاوز كلامه العشر كلمات وينزل. فنحن نعرف عبد الوهاب آخر لذلك كان وسيظل حزننا عليه مختلفاً.
لقد أضاء عبد الوهاب عاصمة البلاد وكل البلاد لأنه (ضوء من بيت أمه) إن نجاح عبد الوهاب وتفرده وتميزه بدأ من (التي) ومن (كاب الجداد) حيث درس المرحلة الوسطى ومن (الدامر) حيث المرحلة الثانوية وهندسة الخرطوم. شاهدته ذات مرة عند كوبري المك نمر أثناء التشييد وهو يتكلم مع اثنين من العاملين بطريقة بدت لي حادة فتذكرت عبد الوهاب الذي كان يرفض وبشدة اللعب بالكوشتينة القديمة في داخلية (كاب الجداد) لأنها قد تكون مكشوفة للبعض من خلال علامات على ظهر الكرت.
رحمك الله ياعبد الوهاب وأنزل شآبيب رحمته على قبرك الطاهر وبفقدك لقد فقدنا رجلاً أمة وأخاً عزيزاً وصديقاً صدوقاً.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]