القصة ما قصة قمح
إلى صديقي محمد إبراهيم محمد إبراهيم رجل الأعمال في مجال التقاوي الذي ضحك عليّ عندما كتبت ذات يوم الفقرة التالية:
قبل عقود من الزمان كنا في الجزيرة المروية عندما ينضج الذرة ويحين وقت حصاده نجوب الحواشة ونتخير القندول الناجم أي الممتلئ بالحبة الكبيرة ثم نقطعه ونضعه في قفة او جوال ونحتفظ بما قطعناه في شكل قناديل كتقاوي للموسم القادم، وهنا يمكنك أن تتذكر الآية الكريمة (… ذروه في سنبله) وأقسم بأن إنتاجية الفدان يومها لاتقل عن عشرين جوالاً، وأجزم بأن زراعة القمح لو كانت قد توطنت في الجزيرة في ذلك الوقت لفعلنا نفس الشيء ولكانت الإنتاجية مذهلة.
قالوا لنا خليكم مع الزمن واتركوا هذه البدائية والزيادات البطيئة في الإنتاج فهذا زمان التقنيات والهندسة الوراثية وتحسين العينات ومضاعفة الإنتاج أضعافاً مضاعفة فصدقنا وتركنا طريقة الانتخاب الطبيعي التي كنا نمارسها وسلمنا أمرنا للعلماء وهيئة البحوث وإكثار البذور والذي منه وأشهد لهم بالكفاءة فقد طوروا عينات طيبة من الذرة وغيرها ولكن عدم الصرف على الأبحاث جعل تلك الهئيات بطيئة في مواكبتها لضيق ذات اليد من يصدق أن هيئة البحوث الزراعية انتهت بالفقر والفلس في الوقت الذي كان فيه السودان دولة بترولية دخله السنوي يحسب بالمليارات من الدولارات ؟؟؟ أليست هذه المؤامرة ياشيخ إسحاق؟؟.
في هذا الفراغ الذي نجم من التخلي عن طرائقنا التقليدية والضربة القاضية التي وجهت للأبحاث الزراعية حدثت الفوضى في مجال التقاوي حيث ظهر تحالف السوق والأفندية ومؤسسات الدولة والنتيجة أمامكم الآن فماحدث في تقاوي القمح في الجزيرة ليس هو الأول من نوعه بل هناك الكثير من السوابق وفي عدة محاصيل لابل في القمح نفسه كانت هناك سابقة فقبل عامين جاء البنك الزراعي فرع الكاملين لمزارعي القسم الشمالي وهو أكثر أقسام الجزيرة في إنتاج القمح بتقاوي فاسدة وأضاع عليهم موسمهم فكانت قضية لرب السماء وكان اتحاد المزارعين ضالعاً فيها كعادته وقد كتبت فيها عدة مقالات يمكن إعادة نشرها اليوم وحذرنا فيها من خطورة تحالف السوق والأفندية والدولة ولكن من يسمع من؟.
قضية تقاوي القمح التي ملأت الدنيا وشغلت الناس الآن ظهرت أركانها كلها فهي توليفة فساد إداري ومالي فالتصرف في المخزون الاستراتيجي للذرة ببيعه من أجل التقاوي التركية فساد, تأخر طلب التقاوي فساد, تأخر التقاوي في الميناء فساد, تخزين التقادي للموسم الحالي فساد, زراعة التقاوي قبل اختبار صلاحيتها بعد التخزين فساد, إضاعة مال التحضير فساد, إضاعة ماء الري فساد, والبشر الذين أسهموا في كل مراحل الفساد هذه.. أفندية وتجار ومؤسسات دولة تتحكم فيها الحكومة.
إذن ياجماعة الخير مع هذا الفساد الذي يسد الأفق لا سبيل لإدخال أي تقنية زراعية حديثة في البلاد بصريح العبارة إن الفساد يقف بيننا وبين التقنيات الحديثة أرضنا جاهزة لأي تقنيات حديثة ومزارعنا جاهز هو الآخر والمشكلة ليست مادية إنها مشكلة ضمائر خربة من قبل تقدمت لمشروع الجزيرة شركات من جنوب أفريقيا ومن فرنسا ومن تركيا وغيرها لكن كلها ولت مدبرة بسبب هؤلاء (العباقرة) المكنكشين الذين لاتتجاوز نظرتهم ذواتهم الفانية.
ياجماعة الخير إذا كنت هناك جهة مسؤولة وقلبها على هذا البلد فإن تقاوي القمح المضروبة فرصة لتجفيف كل بؤر الفساد لكي ينتج السودان قمحاً ووعداً وتمني فالقصة أكبر من التقاوي بكثير إنها قصة عجز إداري سببه الفساد.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]