القصّة ما قِصة رغيف
العنوان أعلاه.. هو جزء من قصيدة ثورية، راجت ذات يوم، وسادت بين أهل الثقافة والسياسة، وراجت في مجالس الأنس النضالية أواخر العهد المايوي، الممتد من (25) مايو 1969م وحتى (6) أبريل 1985م، والذي استغل كل القوى السياسية وأطاح بها جميعها إلى أن هبّ الشعب ضده هبّة رجل واحد، وأطاح بالنظام وأجهزته ومؤسساته.
أواخر العهد المايوي نذكرها تماماً، وهي شبيهة بأوائل عهد الديمقراطية الثالثة، وأواخره، إذ ذاق شعبنا ضيقاً في الخدمات لم يعهده من قبل، وضنكاً في العيش ما كان له أن يتخيله، غير التضييق على الناس في الحريات مع الندرة في كل شيء والهدر في القيم.
مجالس الخرطوم والمدن كانت أشبه بليالي الثورة السرّية، يتداول الناس فيها المعلومات والأسرار المكشوفة، البعض يغنّي والآخر يبكي على حاله، وعلى حال البلد، الذي شهد انفجار التمرد العنيف وكانت تلك الليالي ومجالسها أقرب لمجالس الثائرين المثقفين إبان العهد الاستعماري، والتي ضمت- آنذاك- الشعراء والفنانين والكُتّاب والساسة، وربما أقربها لذاكرتنا وتصوراتنا ذلك المجلس الذي وصفه الشاعر والمغني الرمز الراحل خليل فرح بـ(الرايق)، والذي ضمه (دار فوز)، بحي الموردة الأم درماني العريق، وهي- أي فوز- إمرأة حسناء اسمها (مبروكة) كانت مغرمة بالشعر والغناء، روى عنها الكثير، ولم تقل إلا قلة قليلة أنها كانت أديبة تشارك في الغناء والتلحين، وفتحت دارها لمجموعة كان همها الشعر والأدب والفن، زائداً النضال.
ما علينا.. نعود لعنواننا الأعلى، ونقرأ معه تصريحات حكومية رسمية بأنه (لا أزمة في دقيق الخبز)، وعندما يطلق مسؤول ما تصريحاً يقول فيه إنه (لا أزمة في سلعة ما) ثق تماماً أن هناك أزمة مستفحلة ومتمكنة، لا نعرف أسبابها، ولا يريد أحد أن يوضح لنا، لكننا نعيش ونجني ونحصد نتائج السياسات الخطأ.
صحيح أن أزمة رغيف العيش لم تصل إلى حد اختفاء الرغيف وإنعدامه تماماً ودخوله إلى قائمة الندرة، أو قوائم (لبن الطير) الذي لا وجود له إلا في دفتر المستحيل، لكننا نخشى أن ندخل في نفق الندرة من جديد، ويبدو لنا جلياً أن الذي يحدث الآن ما هو إلا مقدمة لتعديل أسعار القمح والدقيق، ورفع سعر الدولار المخصص لاستيرادهما من جنيهين إلى أكثر من خمس جنيهات، لنتضرر نحن الذين كنا نحتج على شراء ثلاث رغيفات بجنيه واحد، بدلاً عن أربع، لنجد أنفسنا بعد قليل مضطرين إلى شراء الرغيفة الواحدة بخمسين قرشاً كاملة.
(الفرجة) على الأزمة لن تحلها، لكن الاجتهاد في الحل قد يقود إلى الحل، أما باستخدام فقه البدائل بانتاج خبز مخلوط بالذرة بنسبة عالية، أو بالسعي لبيع الخبز بالكيلو، والاتجاه نحو تصنيع الخبز الخالي من (اللبة)، أو بإنشاء مخابز مخصصة في الأحياء توزع إنتاجها المدعوم لأهل الحي وقاطنيه حسب حاجة وحجم الأسرة، أو بإصدار قرار واجب التنفيذ وملزم بتقليص صناعة وإنتاج المعجنات والحلويات التي يشكل الدقيق أساسها وقوامها، لصالح صناعة الخبز، ورفع الدعم- تماماً- عن الدقيق المخصص لصناعة المكرونة والشعيرية والسكسكانية- لصالح رغيف الخبز.. فالقصة كما قال الشاعر قبل سنوات.. (ما قصة رغيف).. القصة قصة سياسات وتطبيق ومتابعة وعين يقظة تحمي الناس وتوفر لهم الطعام والأمن.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]