سعد الدين إبراهيم

وكان العزاء فى حديقة


[JUSTIFY]
وكان العزاء فى حديقة

أوجه شبه كثيرة بين الراحلة ناديه عثمان وبين الحديقة التى أقيم فيها العزاء.. خلق كثير.. ومقامات مختلفة .. وكل الطبقات جاءت لتعزى بعضها فإن لم تعرف ناديه فأنت تعرف أثر رحيلها .. أما رأيت الألوان تهرب من اللوحات.. أما رأيت الأنغام ترحل عن الغنوات .. أما رأيت النسمة تلطم خدودها أما سمعت نحيب الورد وبكاء القمارى فإنها ناديه عثمان مختار..

عرفتها طالبه صغيره تلبس البنى وأنا ادرسها فى المدرسة الإنجيليه .. صبية شقيه .. تكمن لى فى زوايا الفصول والصالات وفجأت تظهر لى.. وبطفولتها العذبة التى مافارقتها.. تمسك يدى وتمرجحها. تزجرها مديرة المدرسة يابنت إيه ده.. كيف تعملى كده مع استاذك.. فتقول فى اصرار هذا ابوى.. تؤنبنى المديره بالكناية: البنات دول إذا منحتهم فرصه فستضيع هيبتك.. أقول لها: إلا ناديه.. تصر على إطلاعى على همهمات تحسبها شعراً.. أقول لها جميل ولكن الشعر يريد معانقة اكثر.. اقرأى لكبار الشعراء.. تعاود الهمهمة.. أما قلت لك إقراى .. والله قرأت ديواناً لنزار قباني إقرأى أكثر.. أحب أغنية جاهل وديع مغرور أغنية محمود.. أقرعها هذه من أغاني الحقيبة ألا تعرفين الحقيبة اطلعي عليها.. عرفت أغنيات الحقيبة .. وهذه قصيدة جديدة لا تصير على الشعر تكتب كل يوم.. لم تكن الأولى فى الشعر ولكن طموحها أكبر من الشعر.. أنا مسافره الى مصر سأتزوج من إبن عمى.. وسافرت رغم رجاءاتى بأن تكمل الجامعة.. وهل لاتوجد جامعات فى مصر؟.. وتختفى خلف السنين..

فى مصر التقى بها .. ناضجة وأكثر من شاعرة .. صحافية.. إعلاميه تحلم بتقديم البرامج وتخرج ديوانها.. ولم أندهش حين كانت من اوائل من عرفوا أسرار الحاسوب فكانت فرصة لتعرف أكبر كم من الناس الذين تحبهم ويحبونها.. قال لى: (…) لماذا الاحتفاء بشاعرة لا تملك الشاعرية .. أقول له: ناديه حالة شعرية إذا تعرفت عليها وعلى طموحها فستحب شعرها وربما فعل..

جئت الى القاهره لأجرى حوارات مع بعض الرموز الفنية .. اخترت أسامة أنور عكاشة ومحمد منير ويونس شلبي .. فأقترحت على (جواهر) قلت لا أعرفها.. عرفتنى بها وحرضتها لتعرفنى بنفسها فدعتنا الى حفل لها بالميل نادى العاملين بالقوات المسلحة من المدنيين.. وسمعنا جواهر وأحببناها لمحبة ناديه لها وحاورناها .. فعرفنا (جواهر) الحالة الإنسانية الفنية

ما طلنا الفنان محمد منير حتى أوشكت على السفر للعودة إلى السودان.. ذهبت ناديه إلى محمد منير.. فرضت عليه أن يحضر إلى حيث أقيم فى فندق هابي تون فجاء وحاورناه.. وضج الفندق بالجمهور.. كيف استطاعت هذه الساحرة أن تجبر هذا النجم الكبير فيأتينا متواضعاً.. إنها ساحرة

عادت الى السودان بعد أن رحل زوجها الذى اتضح إنها تحبه حباً جماً.. ظهر ذلك فى رسالتها الأخيرة له.. لكنها مع ذلك كانت تكتم أحزانها.. حتى لا تحس بأنها أرملة كانت تعب من الحياة.. حتى لاتكون وحيده.. لا أحد يقاسمها احزانها وتبذل افراحها للطير والسابلة.. مبتسمة دائماً وضاحكة.. تقطيب الجبين تسمع به سمع.. صرة الوش لا تعرفها إلا فى وجوه الآخرين.. لا تشكو من غبن حتى تحسبها سعيدة بلا أحزان.. فرحها تقسمه على الناس وحزنها (تموت بيهو براها)..

على كل حال رحلت الجميلة ناديه عثمان مختار.. ونحن فى قمة الأحزان نقول: لاتدعوا الرحيل المر لا يخلف سوى المراره تعالوا بأسمها نقترح صدقة جاريه .. فلتكن كلية للإعلام تدرب المذيعين والمذيعات .. فلتكن مكتبة عامة مزودة بالأجهزة الحديثة.. فليكن على الأقل موقعاً باسمها ينشر الفرح بمساعدة محتاج أو إزالة دموع حزين.. الف مشروع يمكن أن يقوم باسمها .. ولنبدأ بحماس.. ولنترحم على روحها اللهم اغفر لها فقد كانت عبداً من عبادك الذين يألفون ويؤلفون !
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]