الحرب والسلام
يحكى أنّ أقسى وأفظع ما يمكن أن يواجه الإنسان في هذا العالم هو الحرب، والحرب هي التجلي لقدرة الإنسان على إيذاء نفسه بنفسه، فبرغم كل (التجارب) التي اختبرها البشري في تاريخه الطويل على الأرض عبر خوض الحروب المتتالية والعنيفة، التي دائما ومنطقيا- تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح وفي كل أشكال الحياة الأخرى، إلا أن هذا الإنسان ما فتئ يعيد تكرار هذه التجربة بصورة عبثية، رغم الرحلة (الحضارية) الطويلة التي نقلته من حرب التملك الأولى حين اكتشف القيمة (الخادعة) لـ “الأرض، الثروة، الجنس، الدين، اللون… الخ”؛ إلى أن وصل إلى حضارة (القرن الواحد والعشرين)، إلا أنه ضاعف فقط من الحروب المدمرة، وطور فقط في أدواتها القاتلة والساحلة، وكأنه يمضي في رحلة إفناء بشري لم تكتمل بعد.
قال الراوي: ربما، تقدم الحرب السورية الدائرة الآن، أسطع نموذج (عالمي) لفداحة الحرب وقسوتها وقدرتها التدميرية الهائلة، ليس على مستوى (الميدان القتالي) فقط، لكن على كافة الميادين التي تجاوره وتتأثر تلقائيا بنتيجة آثاره المدمرة، فالحرب السورية المتابعة في هذه اللحظة عبر أحدث التقنيات الإعلامية التي لا تفلت شاردة أو واردة إلا ونقلتها، تعكس للمتابع عبثية ما يدور من (قتال) بين السوريين، وتؤكد (همجية) هذا التناحر في أي مكان آخر مشابه، سواء أكان في دول آسيا الموبوءة أو الدول الأفريقية الغارقة حتى أذنيها في وهم (الدم بالدم) ولا عزاء للإنسان!
قال الراوي: منذ متى تدور الحروب في السودان الحديث، قبل المهدية (كرري)، أم بعدها؟ وحروب القبائل المتوالية أتدخل في التعريف التاريخي للحرب السودانية أم لا؟ أم هل يتم التأريخ للحرب في الدولة السودانية الحديثة، مع الاستقلال، وتشكيل أول جيش نظامي سوداني في العصر الحديث؟ هل حرب الجنوب هي أول وأطول حروب السودان؟ تلتها حرب دارفور؟ والحرب الدائرة الآن في كردفان والنيل الأزرق وأبيي؟ هل قدر السودان أن يغرق في حروب تتوالد عن بعضها منذ استقلاله حتى الآن؟
ختم الراوي؛ قال: بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005 انتشرت على طول البلاد مراكز (ثقافة السلام)، وهي مراكز بحسب نشاطها تعمل على ترسيخ مفاهيم السلام، وإشاعتها بين الناس، ومعالجة الآثار النفسية للحرب “التروما” على المحاربين (القدامى) والمواطنين الذين طحنتهم معارك (السنوات) في مناطقهم وتأثروا بها بشكل مباشر.. انتشرت هذه المراكز لأعوام قليلة وبدت نشطة ثم اختفت وكأن الحرب قد اختفت أيضاً!
ختم الراوي؛ قال: لماذا لا تكون هناك مراكز (لثقافة الحرب)؟ تدرسها وتفككها وتنزع فتيلها من البلاد؟
استدرك الراوي؛ قال: (الحرب يا للغباء)!
أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي