تحقيقات وتقارير

سيادة البعوضة والوظيفة المفروضة

[JUSTIFY]قال الشاعر :
يبور الفول في القدرات دوماً
ولحم الناس يأكله البعوض
لا يشك إنسان في أن مرض الملاريا اللعين حلّ ضيفاً على كل بيت سوداني ، رضي أهله أم أبوا ، ونحن كسودانيين أول ما نتصف به هو الكرم الحاتمي الأصيل ، فتحنا أبوابنا على مصارعها ترحيباً بسيادة البعوضة و أشياعها ، ليشهد البعوض و أتباعه من الذباب و غيره من الحشرات مصارعنا ،و فرشنا دواويننا ، المنزلية منها والحكومية استقبالاً للآنسة أنوفلس، واحتفاءاً بها فرشنا الأرض بركاً وملأناها مياهاً راكدة ، حتى باضت الأنوفلس و فقست ثم يرّقت وشرنقت (أي صارت يرقة ثم شرنقة ) ثم صارت بعوضة بجضومها ، مفتولة العضلات ، مدغلبة ، منفخة ، مبغبغة ، ولسان حالها يقول :
شكراً لكم… شكراً لكم .
يا أحلى ناس اهتموا بي
هيأتو لي سبل الحياة ..
خففتو عبء العيش علي
مستنقعات في كل مكان …
في كلِّ حارة وكلِّ حي .
أصبحت عاتية ولي جضوم …
شبعانة دم رويانة ري .
وعندما تحل هذه البعوضة ضيفاً علينا يخاطبها لسان حالنا قائلاً :
يا ضيفنا … لو زرتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وأنت رب المنزل
بعد أن أصبحنا ضيوفاً بحق وحقيقة لندرة تواجدنا بالمنازل ، وكثرة تهافتنا على المستشفيات ، وأصبحت البعوضة كربّة المنزل تنوم وتقوم وتحوم فيه ، بل وتزورنا في المستشفيات … لا لأجل الاطمئنان على صحتنا كعادة الناس، ولكن لتأخذ حقها المشروع من دمائنا الفولية الطعم واللون والرائحة ، بعد أن مُزِجت بالكلوروكوين والكينين وأخيراً رُجمت بالراجمات فأصبحت خلطة معتبرة ووجبة دسمة للآنسة أنوفلس التي أصبحت (تخرم) و (تتقريف ) لهذه التشكيلة (الفولية الكلوروكوينية المرجومة المنعشة )،و من الطبيعي دخول البعوضة ساحتنا الفنية من أوسع أبوابها … وتفرشخها على سجادتها الغنائية … فتطل على الساحة أهازيج الملاريا والأغاني البعوضية … فمرّة يداعب مسامعنا صوت الثنائي الحلمنتيشي قائلاً :
الباعوضة تقول هلكوبتر
تدخل بيتك زي ود عمّك
واحدة بترفع بطانيتك
وتدخل واحدة وتشفط دمّك
فتتمايل جموع البعوض طرباً ، كما تتهالك أجسادنا مرضاً … وينبري صوت مغنٍ آخر دافقاً ، ممنياً نفسه بمستحيل المستحيلات قائلاً :
تبقى حياتنا خالية ، منّك يا ملاريا
فإذا بقت حياتنا فعلاً خالية من الملاريا (ومعنى ذلك أن هناك إبادة جماعية للبعوض ، ربما تحرك ضدنا محكمة الجنايات ) … ماذا سيكون مصير معامل الفحوصات ؟ ، بل وأين يذهب البعوض المسكين ؟ وماذا ستكون وظيفة الآنسة أنوفلس ؟ ، أتحمل شهادات عضعضتها الجامعية وتجوب المكاتب والشركات و لمصانع لتقرأ على ابوابها (لا توجد وظائف شاغرة ) أم تهاجر كما هاجر الذين من قبلها وتنضمّ الى صفوف المعارضة بالخارج ؟

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]