سعد الدين إبراهيم

عملاقة


[JUSTIFY]
عملاقة
مدخل:

بمناسبة تعميم السيد النائب الأول بمنح فئة المعاقين حقوقهم في التوظيف.. نحكي هذه الحكاية

– ذات يوم وجدتها في انتظاري.. جميلة كبطلات الأحاجي.. سلمت عليها.. لم تنهض من جلستها.. وقلت مالو؟ يمكن أن تسلم عليك فتاة وهي جالسة.. وحين نهضت توكأت على عصاتها فعرفت السبب.. إنها تعاني من إعاقة.. طلبت أن نجلس بمفردنا وبقينا أنا وهي وثالثنا دموعها.. وقالت بحشرجة: أسمح لى فقط أن أبكي أمامك.. وانهمرت دموعها.. تركتها حتى هدأت.. ما سر الدموع يا فتاتي؟.. عرفت أنها تخرجت في كلية عملية ومطلوبة وعثرت على إعلان مفصل عليها.. واتصلت عبر الهاتف بالمسؤول فقال لها: المهنة في انتظارك وشهادتك هي ما نريد؟.. أحضري غداً لإجراءات تعيينك..

– خرجت كالعصفور تحلق.. وهى تحلم بنهاية سنوات العطالة.. ستتوظف حتماً فكان حديث المسؤول واضحاً.. إنه ينتظرها بلهفة.. نهضت مبكرة.. وضعت خطوط زينتها فبدا وجهها جميلاً حلواً.. توكأت على عصاتها واتجهت صوب مكاتب المؤسسة انتظرت مع المنتظرين حتى يجيء دورها.. بدأت تألف المكان «مش ح تشتغل هنا» أخذت تتوقع أين سيكون مكتبها.. ربما هنا.. لا.. هناك.. عموماً المكان جميل.

– حان دورها.. دخلت على المسؤول.. تغيرت ملامحه.. ابتسامة عريضة أصبحت بلهاء.. تلعثم في الكلام.. أعطته صور شهاداتها مع الأصل.. قلّبها في يده لم يطلع عليها.. ثم قال متلجلجاً: للأسف سبقك من اخترناه للمهنة.. لكن كيف؟!.. آسف شغلت الوظيفة.. تشاغل بالهاتف المحمول.. قام بترتيب الأشياء على منضدته.. وقفت.. شكرته وخرجت.. لم تكن لديها رغبة سوى أن تبكي.. واختارتني لأنها تقرأ لي.. ولأنها توقعت أن أكون صدراً حانياً.. تبكي عليه.. ربت على كتفها حتى جفت دموعها.. سألتها: ترى لماذا اعتذر لها الرجل؟.. قالت: لأنه فوجيء بإعاقتي!!.. سألتها: وهل تمنعها إعاقتها من العمل؟.. قالت: لا.. هو عمل فني وإعاقتها لا تحرمها من العمل فهو عمل يدوي وعقلي.. إذن أنت تحسين بالظلم الفادح الآن؟.. لماذا لم توضحي في الهاتف موضوع إعاقتك؟.. قالت: فكرت في ذلك ولكن لم أجد مبرراً لذلك.. فأنا متفوقة في دراستي والعمل لا يتطلب جهداً يدفعني إلى التلميح بإعاقتي.. تونست معها.. قلت لها: أنت جميلة.. ومجتهدة.. ولو كنت ابنتي كنت سأكون سعيداً بك وافتخر بك.. أخرجتها من جو الإحباط حتى أضحكتها.. وخرجت من حالة البكاء.. إلى حالة المرح الطفولي.. قبل أن تغادر.. طلبت مني طلباً غريباً.. قالت إنها عندما كانت تنتظرني بمكاتب الاستقبال كان أحد المحتاجين يشكو حاجته إلى المساعدة والعون.. وأنا معي فائض نقود وأعطتني خمسين جنيهاً لأعطيها له لأنه سيكون محرجاً جداً أن تعطيه لها مباشرة.. قلت: وماذا سيكون شعوره لو قلت له هذا المال أعطتك له البنت التي كانت هنا.. قالت: لا تقل له.. أعطه النقود أنت.. قلت: والأجر سيعود لي: ليس مهماً الله يعرف.. قلت لها: صفي لي الرجل المقصود فسألت عنه ومنحته النقود.. وربما دعا لي دعوة أنا على يقين من أنها ذهبت إلى صاحبتها.. كم أنا مشتاق لأرى مجدداً تلك العملاقة.
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]