الطاهر ساتي
الفردوس المفقود … رثاء آخر ..!!
** طباعته فاخرة وصوره مشرقة وكذلك الألوان فيه زاهية ، بيد أن المعلومة ليست بجديدة ، أي مكررة وتم نقلها من إصدارات سابقة ، حتى الصور التي تشكل 90% من الكتاب ليست نادرة كما وصفتها المقدمة ، إذ وثقتها عدسة الأستاذ حسن دفع الله في كتابه : هجرة النوبيين – قصة تهجير أهالي حلفا ، الصادر باللغة الإنجليزية منتصف السبعينات ، وترجمه للعربية الأستاذ عبد الله حميده ، وأحسب أن الكتاب تجاوز الطبعة الثانية ، وصور كتاب هيرمان تشكل حضورا زاهيا في ذاك الكتاب ..وكذلك فى الفردوس المفقود صور أخرى موثقة فى كتاب للباحث السويسرى وليام أدمز أسمه : النوبة رواق إفريقيا …!!
** أما كيفية كتابة اللغة النوبية التى وجدت حيزا مناسبا فى الكتاب ، فهى تترآى للقارئ غير المتابع للشأن النوبي وثقافته بأن الكاتب اجتهد فيها ولكن الأمر ليس كذلك ، بل تم نسخها من كتاب يحمل اسم : اللغة النوبية ، كيف تكتبها .. للكاتب المصري مختار خليل كباره ، الصادر عام 1997 عن مركز الدراسات النوبية بالقاهرة .. وهكذا .. عدا بعض الصور التذكارية القليلة لهيرمان ابان عمله مع فريق المسح الجغرافي فى قرى وادي حلفا .. وعليه ، فالنقد الموضوعي لملخص الكتاب يمكن إختصاره في : أنه إعادة طبع لصور ومعلومات موثقة في إصدارات سابقة لم تكن ذات طباعة فاخرة تميز بها الفردوس المفقود ..وحتما لم يضف الكاتب جديدا في كتابه لأنه لم يقصد وادي حلفا عامئذ باحثا أومؤرخا ، بل جاءها موظفا ، وهذا يتجلى في اللغة الرثائية التى حلت محل لغة البحث والدراسة والمعلومة في كل صفحات الكتاب .. بل حتى عنوان الكتاب لم ينج من بحر الرثاء .. الفردوس المفقود ..!!
** وهكذا ينجح هيرمان بيل ومحمد جلال هاشم فى تعميق جراح الذاكرة النوبية ، تلك الذاكرة التى تأبى مغادرة محطة الرثاء ، بل تورثها أيضا لذاكرة الأجيال الناشئة ، وكأن القدر كتب للحلفاوي بألا يغادر محطة الماضي الحزين إلي حيث الأمل فى الحاضر و المستقبل .. وهنا يجب أن أطرح ما بخاطرى بوضوح قد لايرضي بعض الأهل ، ولكن لأنهم يتسمون بقول الحقيقة – فى أي زمان ومكان وقضية – مهما كان طعمها ، لهذا أتكئ اليوم على شجاعتهم وصراحتهم وأفكر معهم بصوت عال ببعض الحقيقة ، أو بالأصح بما ترآت لي بأنها الحقيقة .. وهي : كفى غربة الروح التى يعيش فيها أهل حلفا ، وآن الأوان على تجاوز تلك المحن وبحيرة الحزن التى غمرت حياتهم في زمان عبود ..وهي بالتأكيد ليست دعوة للتخلى عن الأصول والجذور ، لا ، فتلك أصول راسخة وجذور في عمق التاريخ ، بها نفتخر مثل كل أهل السودان الذين يفتخرون بأصولهم وجذورهم وثقافاتهم ولهجاتهم ، ولكن الدعوة هى : ألا يكون أهل حلفا كبعض العرب الذين يبكون الأندلس في ذات اللحظة التى تتسرب فيها عواصمهم ومدائنهم كما الأندلس ..!!
** نظرة عابرة لحلفا الجديدة وحال الأهل فيها تكشف للناس والحياة بأن الأهل هناك مرغمون على العيش فيها ومكرهون على البقاء وكأنهم محاطون بسياج من حديد ..و تبدو لهم حلفا الجديدة مجرد محطة سرعان ما سيغادرونها في قطار السابعة ، أي هم فيها ضيوف ليس إلا.. أو هكذا إحساسهم رغم إقتراب نصف القرن زمنا على إمتلاكهم لكل مقومات الحياة هناك ، وللأسف صارت غربة الروح هذه تورث لكل جيل ..ولهذا لا تظهر هناك رغبة شعبية فاعلة تساهم فى تعمير وتطوير تلك الديار ، كما كانت تفعل فى وادى حلفا ..ويخطئ من يظن بأن الحكومة أوالحكومات هى التى لم تنهض بحلفا الجديدة إلى حيث بعض الطموح ، فالحكومة أوالحكومات لم تحقق لكل مدن وأرياف السودان طموحها ، وحلفا الجديدة ليست باستثناء ، ولكن غير الحكومة أو الحكومات فان الطموح الشعبي فى حلفا الجديدة أيضا لايشجع ذاته على التنمية والتعمير ..لأن روح الطموح لاتزال في تلك المدينة القابعة فى جوف بحيرة النوبة أوناصر ..!!
** الملخص ..قيمة الماضي هي فقط أن يستمد منها الحاضر التجارب ليبني بها المستقبل .. فلا تدع تجارب الماضي تكبلك بحيث تهمل الحاضر وتضيع المستقبل ..أنت تملك مليون ميل مربع ، إذن أنت سودانى ..هكذا بطاقة الدعوة ، لنفتخر بهذا السودان .. !!
إليكم – الصحافة الاربعاء 11/02/2009 .العدد 5612 [/ALIGN]