أفورقــــي والقذافــي… شبيهـــان فــــي الســفـــر!
في كل الأحوال من شابه القذافي فما ظلم، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي وصل أول من أمس، إلى ولاية البحر الأحمر وظهر فجأة في رتل من السيارات بمدينة سواكن، وهو قادم للمشاركة في احتفالات البلاد بمهرجان السياحة والتسوق الذي درجت حكومة محمد طاهر إيلا في بورتسودان على تنظيمه سنويًا مع مقدم فصل الشتاء ويمتد حتى فبراير القادم.
واختار الجار العزيز أسياس أفورقي، أن يكون قدومه عبر البَر بالسيارات على طريقة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي كان يهوَى الزيارات الغريبة والأساليب الأغرب في تنقلاته، غير أنَّ القذافي كان يحب التضخيم والتفخيم ويلوذ أفورقي بالبساطة والتخفيف!
ويُذكر أنه في العام «1999م» قُبيل قرار الدول الإفريقية الشهير في الدقيقة «9» من الساعة «9» يوم «9/9/1999م» بإعلان قيام الاتحاد الإفريقي وفك الحصار عن ليبيا، تحرك القذافي من العاصمة الليبية طرابلس بالبر متوجهاً إلى العاصمة البوركينية واغادوغو لحضور قمة إفريقية ومنها يطوف في جولة طويلة لغرب القارة، وسمى بنفسه تلك الرحلة «رحلة الأربعة آلاف ميل»، قبلها دخل القذافي مصر بالبر عن طريق منفذ السلوم، عبر الصحراء الكبرى بالسيارات في موكب ضخم إلى العاصمة التشادية إنجمينا، وفعل مثلها مع تونس والجزائر والسودان.
اقتفى الرئيس أفورقي أثر القذافي صديقه الحميم فهما من ذرية ثورية واحدة، وآثر أن يقطع الوهاد ويصعد الجبال ويعبُر الأودية السحيقة ويدخل إلى السودان عن طريق «قرورة» في الحدود ما بين بلاده والسودان، بموكب من السيارات والحراسات الكثيفة حتى فاجأ الجميع بوجوده عند مدخل مدينة سواكن، مما أربك أجهزة الدولة في بلادنا التي لم تكن كلها على علم بالكيفية والمدخل والوسيلة التي اختار بها أفورقي زيارته..
بالرغم من أن وزارة الخارجية استدركت وقالت إن الزيارة مرتب لها ومعلومة وكانت الأجهزة السيادية والأمنية على أرفع مستوياتها تتابع تحرك موكب الرئيس الإريتري حتى دخوله وعبوره الحدود السودانية في رحلة استغرقت أكثر من عشر ساعات في مسالك وعرة وجبال وأوحال كثيرة..
وأذكر قبل ثلاث سنوات تقريباً، رافقنا وزير الداخلية المهندس إبراهيم محمود وبصحبته وفد رفيع المستوى، للعاصمة الإريترية أسمرا، للالتقاء بالرئيس أفورقي الذي تسلم رسالة من الرئيس البشير واستمع للوفد السوداني الذي جاء خصيصاً لبدء تطبيق قرار الرئيسين بعبور مواطني البلدين الحدود والتعامل فقط عند الدخول بالبطاقة الشخصية، وفي ذلك اللقاء بالقصر الرئاسي في أسمرا، تحدث الرئيس أفورقي طويلاً عن علاقته بالسودان حديث العارف والمتابع ونادى بإلغاء نقاط التفتيش على الطرق في البلدين لتسهيل مرور المواطنين من الطرفين وعدَّد النقاط من حدود بلاده مع ولاية كسلا حتى قلب الخرطوم لعشرين نقطة تفتيش..
وهذه ليست المرة الأولى التي يعبُر بها أفورقي الأراضي الشاسعة برًا بين البلدين، فقد سبق أن كان في زيارة للخرطوم قبل سنتين، غادر فيها إلى بلاده براً مروراً بولايات الجزيرة والقضارف وكسلا..
المهم أنَّ مزاج أفورقي وطقسَه السياسي ونظرتَه لإفريقيا وعلاقاتها وشعوبها وتاريخها، لا تختلف عن نظرة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، فكلاهما انتهج نهجاً يجسِّد به مفاهيمه الثورية ومسارات وطبيعة قيادته وما يؤمن به…
في حوار منشور بـ«الإنتباهة» في صيف «2009» لكاتب هذه الكلمات مع الرئيس الإريتري في مقره الرئاسي في أسمرا، لم يجد أفورقي حرجًا سياسيًا في القول إن كل هذه المنطقة من القرن الإفريقي حتى موريتانيا هي منطقة واحدة يجب ألّا تفصلها الحدود السياسية الاستعمارية القديمة ولا تفرِّق شعوبَها الفواصل المصطنعة وهو لا يعترف كما القذافي بهذه الحدود، وأنَّ الامتدادات الحضارية مشتركة والقِيم الاجتماعية واحدة، وفسَّر حركة التاريخ كلها بأنها سعي دؤوب إما للتواصل أو السيطرة.
ولذلك تمثل طريقته التي يزور بها ولاية البحر الأحمر ولقاؤه مع الرئيس البشير، جزءاً من اهتمامات شخصية له، لا تنجرد من مغازيها السياسية الواضحة التي أراد التركيز عليها، مع رغبته في تجديد وإنعاش ذاكرته أيام النضال العسكري ضد نظام منقستو هايلي ماريام لتحرير إريتريا واستقلالها، وكانت هذه الحدود في المناطق التي عبرها أول من أمس ومناطق أخرى في ولايتي كسلا والبحر الأحمر، تختزن صورًا مجمدة في الذاكرة وترابًا مرويًّا بالدماء يحكي عن الثورة الإريترية.
مهما كانت طريقة الزيارة والإرباك الذي أحدثته لبعض أجهزة الدولة وربما الحرج المراسمي أيضًا، فإنَّ هذا النوع من القادة في إفريقيا يقف أمام آخر تلة تُطل على عالم الشعارات الثوريَّة وهي تكاد تختفي وراء السحب المرتفعة أو خلف الأفق البعيد..! فمرحبًا بأسياس..
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة