تحقيقات وتقارير

المتسولون..ناقوس ينذر بالخطر !

[JUSTIFY]متسول، كلمة فضفاضة تحمل في طياتها كل معاني الحاجة والتشرد والضياع، ولا تحتمل أدنى نقص أو تحريف، وكل من يتسول يبحث عن لقمة عيش تقيه من الهلاك.. ولكن، أن يصبح التسول مهنة لها أعراف وتقاليد وتنظيمات معينة وأساليب متبعة وأغراض أخرى غير الاكتفاء بلقمة عيش، فهذا أمر يعتبر ناقوساً للخطر يدق في عالم من الفوضى وعدم الاهتمام بشعب مهدد بالأمراض والجرائم من قبل شرائح بعضها منبوذ والبعض الآخر يصارع من أجل البقاء… بعد رصد عدد من المشاهد السالبة لـ«متسولين» يدعون الحاجة توصلت «الإنتباهة» لمعقل متسولين لتكشف الوجه الآخر لما وراء التسول!

لله يا محسنين…لا تكفي! لم تعد عبارة لله يا محسنين كافية لاستعطاف المارة من الميسورين حسب وجهة نظر المتسولين، فأصبحت الممارسات الإجرامية «النشل والخطف والقلع عينك يا ماشي، وهى الطريق الأمثل للحصول على المال بعد أن سجلت الإحصائيات أرقاماً فلكية تؤكد أن مرتادي الإجرام وسرقات المارة بالطرق والمواقف العامة للمواصلات معظمهم متسولون يتبعون أساليب أقرب للخيال وعادة ما تنتهي بمطاردة غير مجدية. ورغم خطوره هذه الممارسات التي تتم على مرأى ومسمع من السلطات إلا أنها لا تخضع لأية محاسبة أو عقاب مما يساعد على تكرار نفس السيناريو وغالباً ما يكون البطل مكرراً وبذات البراعة في التخفي والهروب، إضافة إلى أن التسول كمهنة أفقد الميسورين ثقتهم في حاجة المتسولين وجدية مطالبهم التي يؤكدون أنها وهمية، وأنهم شريحة لا تستحق الرحمة والشفقة ويمثلون خطراً يجب التخلص منه، فيما أصبح من المألوف مشاهدة طفلة تجري خلف المارة تستعطفهم وعيون والدتها ترقبها في انتظار الغنيمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي مشهد مصاحب طفلة أخرى تشتت انتباه الفريسة ليقوم شريكها «بنشل» ما تجود به المجازفة، ويختفيان في لمح البصر، ولا تقع عليهما أية عقوبة، وكل ذلك في إطار المتسولين.

وكر على الطريق! تناقض غريب تجسده تلك المشاهد التي تستقبل الزوار مع بداية شارع القصر جوار معمل إستاك ومستشفى الذرة لمجموعة من المتسولين «رجالاً ونساء وأطفالاً» يستظلون تحت شجرة وارفة الظلال يفترشون «الكراتين» طعام معظمهم سيلسيون، أعمارهم متفاوتة مع اختلاف سحناتهم ولغاتهم، ولكن تجمعهم صفة المتسول ليشكلوا أبشع منظر في شارع عام بعضهم مصاب بمرض الجزام وهو سريع العدوى إضافة إلى استخدامهم حائط المستشفى لقضاء حاجتهم وتأثيره على المرضى داخل المستشفى. وما يزيد الأمر سوءاً أن مرتادي الإجرام من المتسولين يستخدمونهم كساتر للتخفي، أما بيع المسكرات من «عرقي… وسلسيون» فيعتبر أمراً طبيعياً، وهنالك كارثة صحية تهدد حياة المرافقين للمرضى والمارة وهو وجود بائعة الشاي التي تشاركهم الظلال الورافة لتكون أسهل الطرق لانتقال مرض الجزام «تكيف وتتكيف»، والمؤسف أن معظم هؤلاء المتسولين لديهم أسر وعناوين معروفة بل أن بعض الأسر تتسول بكل أفرادها، فبينهم أب وابنه وسيدة أخرى مع ابنتيها وما خفي كان أعظم.
ممارسات خاطئة!! يروي أحد المتابعين لهذه المجموعة من المتسولين أنهم من منطقة واحدة يتم إرسالهم بصورة منظمة من قبل جهات شبه معروفة، وبتوزيع مدروس ونسبة متفق عليها حسب المتسول و«شيخه». وبعين المتابع يقول: منذ فترة ونحن نتابع هذه المجموعة من المتسولين ليلاً ونهاراً فوجئنا ببعض الممارسات الخاطئة التي لا تمت للحاجة بصلة باعتبارها روتيناً يومياً وتسولاً من جانب آخر. وأضاف في الصباح الباكر تكون ساعة الذروة للتسول بالاضافة الى المشاجرات اليومية بسبب ضيق المكان والتعدي على خصوصية البعض التي لا تتعدى الشجار حول الكراتين ومكان النوم باعتبارها ممتلكات خاصة، إضافة إلى الهلوسات الناتجة عن تعاطيهم السلسيون و«العرقي» وهذا ما يسوقنا إلى حالة المرأة «….» التي أزهقت روح طفلتها بعد إعطائها جرعة زائدة من «العرقي»، وذلك المسن الذي يعاني من مرض عضال يشكو ألمه لطوب الأرض، وأرجل المارة التى تجود عليه بذرات الرمل لتزيد حدة نوبات الصرع والالتهاب الرئوي، أما تلك السيدة التي فقدت ساقها لإصابتها بمرض فتاك قالت إنها تجني أموالاً طائلة مقابل تسولها في هجير الشمس وليست بحاجة للعلاج، وتأتي قصة العم خالد..! الذي فضل العيش وسط المتسولين على الحياة مع أسرته وهو أب لشابة تزوجت ولها أبناء. وفي روايته لقصته مع المتسولين أطلق عيار الكلمة ليقتل بها الحيرة التي تملكتنا من منظره وسعة صدره. حيث قال «لو داير تعيش مع ناس لازم تبقى زيهم… وما تشوفوني كده أنا متزوج وأسرتي موجودة وشغال في أمانة الله، بالنهار بنضف قدام المستشفى وبتونس معاهم زي العجب». وأضاف معظم هؤلاء المتسولين ليسوا سودانيين تم إبعادهم إلى المعسكرات ومناطق نائية إلا أنهم عادوا. وعلق ساخراً «الغريبة رجلينهم مقطعات جو كيف ما عارف»؟!
تجسس ومراقبة!! يقول مصدر أمني أن معظم هؤلاء المتسولين يتظاهرون بالحاجة والتسول وهدفهم التجسس والمراقبة لصالح جهات أمنية أو دول بعينها حيث لا يعقل أن يهاجر أجنبي من دولته ليتسول ويقضى طيلة يومه يتنقل فى مواقع معينة تعتبر إستراتيجية وذات صلة مباشرة بما يجري في الدول من أحداث ويتم اختيارهم حسب مهامه التي يؤدونها على أفضل ما يكون تحت ستار التسول بل ويتخذون من المتسولين دروعاً بشرية تقيهم من المراقبة والرصد. ويحكي أن هنالك شاباً متسولاًَ جنوبياً كان يظهر طيلة فترة ما قبل الانفصال بملابس رثة يطلب المساعدة، وما أن تم الانفصال حتى عاد هذا الشاب كشخص عادي وسجل زيارة إلى أقرانه الذين لم يتعرفوا عليه في بادئ الأمر. وأضاف أن هذا يدل على أننا شعب مستهدف في خصاله وطيبة نواياه لأننا نعامل كل متسول برحمة وطيبة غير مدركين خطورة ما نفعل.

حقائق مخيفة! كان لا بد من التحدث بلغة الأرقام إلى أهل الاختصاص لمعرفة حجم الكارثة التي تهدد المجتمع وكيفية التعامل معها. شددنا الرحال الى وزارة التنمية والرعاية الاجتماعية لتؤكد حنان عبد الله عبد المولى إدارة التنمية الاجتماعية بالوزارة أنه يوجد نوعان من المتسولين سودانيين وأجانب. وأن هنالك تسولاً من أجل الحاجة، ونوعاً آخر ممتهن التسول كمهنة حيث يأتي الأجانب من دول الجوار ومناطق التماس ويتمركزون في الخرطوم عادة، حيث تعتبر الولايات معبراً لهم وليس لهم وجود فيها وأكثرهم نساء وأطفال مصطحبين أسرهم أو غير مصطحبين، وهؤلاء يتم تأجيرهم والإشراف عليهم من قبل عصابات وشبكات متخصصة في الدول التي يأتون منها وتتم متابعتهم عبر نوافذ تابعة لهذه العصابات ومناطقهم معروفة، ونسبة الرجال لا تتعدى 1% ، وهنالك مبالغ تدفع للشيوخ «رؤساء العصابات» نظير حمايتهم والعمل تحت إشرافهم، وهنالك شراكة بين الوزارة وشرطة أمن المجتمع للتعامل مع المتسولين الأجانب حيث يتم استقبالهم في مراكز التصنيف ويخضع السودانيون منهم إلى دراسات في أسرهم اجتماعية ويتم رعايتهم عبر توزيع مواد تموينية يسمى «كيس الحق المعلوم» ويعتبر خطوة تمهدية لتمليكهم مشاريع تنموية تساعدهم وتحد من ظاهرة التسول بمجهودات مشتركة بين ديوان الزكاة والوزارة وهنالك متسولون تركوا التسول وعاشوا مع أسرهم، وكانت البداية في العام 2012م حيث بلغ عدد المتسولين ألفاً ويزيد، وفي عام 2013م في حملة كان العدد 490 متسولاً تقريباً وهذا ما أكد أن هذه المشروعات قد نفذت جزءا كبيرا من أهدافها في مكافحة التسول، أحياناً نواجهه مشكلة التمويل في تنفيذ المشاريع ويجب أن تتضافر الجهود تجاه المتسولين. كانت الميزانية في العام 2013م «20» مليوناً تقريبا لتوفير احتياجات المتسولين كما يتم تدريبهم، وهنالك محفظة تسمى محفظة التسول بالوزارة لتنفيذ هذه المشروعات في العام 2010م تم تنفيذ عدد من المشاريع والآن في انتظار التصاديق لتسهل عملية المتابعة الدورية لنشاطهم، ولا ننكر أن هنالك عقبات تعترض مواصلة هذه المشاريع، ولكن هنالك معالجات تتم لبعض الحالات، كما يتم تدريب باحثين اجتماعيين للمتابعة والإرشاد وتأهيل للدور التي تأوي المسنين من المتسولين وفاقدي الهوية، والحقيقة أن شريحة المجزومين من المتسولين لأنهم كارثة صحية لا يمكن استيعابهم داخل الدور والمراكز لأن الجزام معدٍ ونحن كوزارة رعاية اجتماعية ما يلينا هو الجانب الاجتماعي فقط. وفي التسعينيات سعت الوزارة لحل هذه المشكلة بالاتصال بشيوخهم، وقد تم تسفيرهم للخارج ولكنهم عادوا بشكل أقوى، وأعتقد أن وزارة الصحة مسؤولية مباشرة عن هذه الشريحة.

وتضيف: أما الجرائم التي تصاحب التسول فطبيعة الوضع تنتج الكثير من الجرائم، منها بيع المخدرات والتجسس وإدخال عادات سيئة، وأيضاً من ناحية صحية يعتبرون خطراً يداهم المجتمع، وهنالك مخاطر اقتصادية هؤلاء يتم التعامل معهم بقانون الدولة ووجود الأجانب معضلة، وهنالك أتيام مراقبة لرصد حالات المتسولين والمتشردين وعمالة الأطفال والمعاقين والمختلين عقلياً وتقدم معالجات من خلال قسم الضبط المجتمعي ويعتبرون أقرب للشارع، وعادة ما يتم إدماج ولم الشمل بإعادة جزء كبير إلى أسرهم، وهذه معالجات ونحتاج إلى إجراءات وقائية لسد فجوة التسول التي تهدد المجتمع بصورة مباشرة. وعلى المسؤولين قفل المناطق التي تتمركز فيها وعمل مراكز تنمية مجتمع والاهتمام بجانب التوعية وتقديم خدمات الضمان الاجتماعي وتدريب الأسر لتكون منتجة. في العام 2013م تم إبعاد 98 متسولا أجنبيا لدولهم وقد تم رصد ميزانيات كبيرة للعمل على حد ظاهرة التسول لكن هنالك بعض البرامج لا تنفذ بسبب الميزانيات المتوفرة من قبل الدولة، أما الإحصائيات فقد أكد الإستاذ بدر الدين التجاني أبو علامة مدير مركز الرشاد للتصنيف والاستقبال بوزارة الرعاية الاجتماعية وهو المركز الوحيد للتصنيف، يعتبر التسول من الظواهر السالبة التي تهدد المجتمع، وفي الآونة الأخيرة كثر تسول الأجانب وغالبيتهم نساء داخل ولاية الخرطوم كان 181 تم تسفير 47 متسولاً منهم وما تبقى تحت الإجراء خلال الأيام القادمة، وشريحة الاطفال المصطحبين الرجال 719 والنساء والأطفال 1258وهي نسبة كبيرة وتعتبر العطل المدرسية موسم لانتشار هذه الظاهرة بين الأجانب والسودانيين كل هذه الفئات تأتي عبر النظام العام وهي يومية بالتنسيق مع الجهات المختصة ومن الشائع أن المتسولين يعودون ألى الشارع بعد الحملات، ونحن بدورنا نؤكد أن هذه المعلومة خاطئة ولا يوجد متسول يخرج من المركز إلا في حالة الأمراض المعدية، ونقوم بعمل دراسات وتقديم كل مستلزمات الحياة حتى نحد من ظاهرة التسول التي اقتحمت المجتمع بصورة غريبة.

من المحررة أن تكون تصريحات المسؤولين تصب في إطار أن هنالك اتصالات بين شيوخ المتسولين في مناطقهم المعروفة بالاضافة إلى معرفة هذه المناطق وكيفية إدارتها أمر يجعل حاجب الدهشة مرفوعاً إلى أن تقوم الساعة.. كيف تكون الجهات المعنية بدراية تامة بكل هذه المعلومات وتترك الحبل على الغارب للمتسولين دون أدنى عقاب.. خطر التجسس والمراقبة وانتشار الأمراض والرذيلة والعادات السيئة أين المنتهى؟؟؟ ما دور الجهات الأمنيةالتي تتمركز في الحدود وتسمح بدخول هؤلاء المتسولين عبر الحدود دون رقابة؟ لماذا لا يتم سد ثغرة التسول واجتثاثها من جذورها لخلق مجتمع معافى؟ ما مصير المجذومين الذين يملأون الشوارع بدون اهتمام أو رقابة.. أين وزارة الصحة من كل هذا الإهمال.. أسئلة مشروعة تحتاج لإجابات شافية من الجهات المختصة.

صحيفة الانتباهة
ندى الحاج
ت.إ[/JUSTIFY]