ضياء الدين بلال

(لو عندك دم)!

[JUSTIFY]
(لو عندك دم)! ‎

مدخل:
قبل كل شيء.. أستأذن المبدع الأصيل الأستاذ/ سعد الدين إبراهيم، في استلاف عنوان هذه العمود من إحدى مقالاته الرائعة.

الزيارات ذات الطبيعة الرسمية لا تعطي الحقيقة، والتقارير الديوانية تفرط في استخدام أدوات وألوان الـ(ميك أب)، لتزيين الواقع وتجميله في نظر الكبار!

ظللت أنصح زملائي الصحفيين في أقسام التحقيقات، بألا يذهبوا إلى التحقيق في المرافق الخدمية عبر بطاقتهم المهنية، وألا ينتظروا طويلاً ردود جهات الاختصاص وإجاباتها.

حينما يخرج الصحفي بطاقته، تهرب المعلومات الحقيقية، لتختبئ في أدراج المسؤولين، وتخرج المزيفة في كامل زينتها، لتسجل شهادة زور لمصلحة القائمين على الأمر!
قلت لإحدى الصحفيات الهميمات: عليك الذهاب لمستشفى الخرطوم كمرافقة وهمية لمريض غير موجود، زمن إنجاز المهمة 24 ساعة، وأفضّل أن تتم في أول الأسبوع.
قلت لها: كل ما عليك رصد تفاصيل تقديم الخدمة العلاجية لشرائح متعددة من المرضى خلال اليوم، من خلال المتابعة البصرية والحديث معهم-إذا أمكن- أو مع مرافقيهم.
معضلة تواجه الصحفيين في الحصول على المعلومات، أثناء التحقيقات الصحفية. المسؤولون يهوّنون الأزمات والمواطنون يهوّلون!
الصحفية أنجزت المهمة كما ينبغي، دون أن تضطر للكشف عن هويتها، ونشرت تحقيقاً يحوي مجموعة صور قلمية عالية الصدقية، نقلت الواقع بكل ما فيه من أخطاء وتجاوزات وآلام وأوجاع لا تجد طريقها إلى التقارير الرسمية.

قبل أشهر كنت في مباني بنك الدم المركزي العتيقة بالخرطوم، للحصول على زجاجتيْن من الدم للحاجة الوالدة، التي كانت طريحة الفراش الأبيض بأحد المستشفيات الخاصة.

هي المرة الأولى التي أزور فيها هذا المكان ذا الأهمية القصوى لكل مريض، تفرض عليه الأقدار خلط دمائه بدماء آخرين، في ساعات التنازع بين الموت والحياة.

أصدقكم القول، تفاجأت بالحالة المتردية.. مبانٍ آيلة للسقوط، حوائط صدعها اليأس من الحصول على طلاء يروي مسامها الظامئة، منذ عهد السير لي ستاك إلى أيام الوزير أبو قردة!
أليس من المحزن أن يكون قطر مثل السودان بدأت فيه دراسة الطب منذ 28 فبراير 1924، لا يزال إلى اليوم أهم مرفق صحي فيه يعتمد بالكامل على الهبات الأجنبية؟!

بنك الدم المركزي -إلى اليوم- تحت ضيافة أسرة السير لي ستاك، ومعداته وأدواته ومحاليله وسياراته -إلى الغد- تأتي من منظمة الصحة العالمية!

الفنيون والموظفون يعملون في ظروف بالغة السوء، رغم كل شيء: ضيق المكان، وشح الإمكانيات، وبؤس المقابل؛ وتجدهم يتفانون في القيام بواجبهم بكل جدية.

زحام لا تجده إلا في الميناء البري في أيام الأعياد، الأنفاس متقاربة وقطن مشرب بدماء المتبرعين يضع بصماته على البلاط!

الدماء تخرج من هنا إلى المستشفيات العامة والخاصة ذات النجوم الفندقية، إذا كان هذا هو حال المستشفى المركزي للدم في عموم السودان، فكيف ستكون الأوضاع في الولايات والمناطق الطرفية (ناس قريعتي راحت)؟!

قلت لنفسي إذا كان هذا هو حال المظهر، فكيف سيكون حال المخبر؟ أدوات وأجهزة ومحاليل فحص الدم، التي تؤكد سلامته من الفيروسات والملوثات، ما الذي يجعلني أثق بالنتائج إذا كنت غير مطمئناً للمقدمات؟.
لم يخب سوء ظني -(المخبر كالمظهر)- فقد اطلعت قبل أيام على تصريحات لمسؤولين بالبنك، يتحدثون عن وجود نقص حاد في محاليل فحص العينات.. (إذا لم يكن الموجود منها منتهي الصلاحية في الأساس)!
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني