الأول سوداني.. والثاني أيضاً ..
تلقيت رسالة الكترونية من مهندس سوري مقيم في السودان، أسمه «سعد» حسب عنوان المرسل منه، أنقلها كاملة ليطلع عليها قاريء هذه الزاوية، ثم أعلق عليها بعد ذلك.. وقد كان نصها كما يلي:- «أخي مصطفى، السلام عليكم. أنا مهندس سوري أعمل في شركة بنان لتقنية المعلومات هنا في الخرطوم، ومعي (35) مبرمجاً سودانياً، وقمنا بإرسال إثنين منهم قبل فترة، إلى الهند، للالتحاق بكورس – دورة دراسية خاصة – في تقنية جديدة، وكان عدد المشتركين (500) مبرمج من كل أنحاء العالم، وعندما أجريت الامتحانات الأخيرة، كان الأول والثاني هما مبعوثينا السودانيين الأثنين، الذين نفخر بهما وبكل الشباب السوداني والحمد لله. وهذه شهادةة تدحض كلام المغتربين والمرجفين. والله من وراء القصد».
إنتهت الرسالة التي تلقيتها على بريدي الالكتروني تعقيباً على مقال الأمس (غبي وكسول وفقير)، وهي الصفات التي حاول البعض إلصاقها بهذا الشعب الذكي، صاحب المهمة والإرادة التي أسهمت في بناء ونهضة كثير من الدول، والغني بقناعته وعدم جريه وراء زخرف الدنيا الزائل. وهي رسالة من رجل عرك السودانيين وعمل معهم وعرفهم، مثل كثيرين تعاملوا معهم وعملوا إلى جانبهم في الخارج وظلوا يشهدون على الدوام بصدق وأمانة وإخلاص المواطن السوداني، ليس في العمل وحده فحسب بل في كل أشكال التعامل والعلاقات.
تذكرت حدثاً مشابهاً لما ذكره السيد الباشمهندس سعد، وقع بالقاهرة تحديداً في يونيو من العام 1986م، وقد تم إبتعاثنا، مجموعة من الصحفين السودانيين، وكنا نعمل آنذاك في صحيفة «الأيام» الغراء إبان رئاسة أستاذنا وأستاذ الأجيال محجوب محمد صالح – أمد الله في أيامه – لمجلس إدارتها وتحريرها، عقب الانتفاضة التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل جعفر محمد النميري – رحمه الله – وكانت وجهتنا صحيفة «الإهرام» كبرى الصحف المصرية القومية، وكان الذي يشرف على تدريبنا في إستخدامات أجهزة الكمبيوتر للإخراج الصحفي، أساتذة كبار، منهم الدكتور محمود مصطفى، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة، واحد كبار مساعدي رئيس التحرير الأستاذ إبراهيم نافع، والأستاذ فريد شنب، أحد أشهر سكرتيري التحرير المصريين، وكانت مجموعتنا مكونة من الأساتذة محمد لطيف علي، وإنعام محمد الطيب، وصباح محمد آدم، وكاتب هذه المادة من جانب التحرير، بينما كان يمثل الجانب الفني، جمعاً الكترونياً وإخراجاً، الأستاذان الطيب بيّن – شفاه الله – وعصام حميدان.
مرت أشهر البعثة سريعاً، وكنا نعمل في مجالات العمل التحريري والصحفي، الأمر الذي أدهش المشرفين على مجموعتنا، وفي آخر يوم لنا داخل مؤسسة «الإهرام» إحتفل بنا زملاؤنا إحتفالاً مصغراً، قال فيه الدكتور محمود مصطفى، إنه يعجب من أن يتم إبتعاث هذه المجموعة للتدريب واكتساب الخبرات لأنهم – أي أعضاء المجموعة – مثل الذي أكمل دراسته بتفوق، ثم أعيد لتجويد أساسيات المرحلة الابتدائية.
كنا نظن إن الأمر مجرد مجاملة، لكن الرجل إبتسم وقال لنا مشيراً إلى إحدى الزميلات في صالة التحرير: «هل ترون فلانة تلك، إنها تعمل بالصحيفة منذ أكثر من عشر سنوات، انحصرت مهمتها في الرد على هواتف مراسلي المحافظات، وتسجيل ما يبعثون به على الورق، لتعرض بعد ذلك على سكرتير التحرير الذي يعيد تصنيفها، ويبعث بكل رسالة للجهة المختصة».
ويوم أمس حقق طبيب سوداني مقيم في السعودية نصراً علمياً جديداً كشف من خلاله الجين الموّرث لأخطر أنواع الصرع.
وفي بريطانيا وحدها الآن هناك أكثر من خمسة آلاف طبيب سوداني يعمل هناك، وليبيا وحدها إستقبلت هذا العام أكثر من خمسة عشر ألف سوداني للعمل في مختلف المهن والتخصصات. أما أبناء السودان في السعودية والخليج والعراق وغيرها فهم نموذج للسفارة الطيبة الحميدة الراشدة.
مصيبنا أننا لا نجيد التسويق لأنفسنا، ونحاول دائماً أن نكون متواضعين إلى أدنى حدود التواضع.. علينا الآن أن نغيّر من هذا السلوك، وأن نعلن عن أنفسنا، وعن إبداعنا الحقيقي، داخل العقل والنفس والقلب.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]