ليست هكذا.. يا كرتي!!

لعدة أشهر أعاود الكتابة في كل مرة عن ملف العلاقات السودانية الإيرانية في مقابل العلاقات السودانية الخليجية.. وكنا نعيد الطرق على الموضوع علهم يستوعبون أن معظم ملفات العلاقات السودانية الخليجية إن لم تكن متوقفة عن التطور بالإيقاع المطلوب فإن بعضها متراجعللوراء بسبب عدم فهمهم لطبيعة العلاقة مع إيران..

والسودان حر في اختيار علاقاته الخارجية لأنه دولة ذات سيادة وتمتلك خياراتها مائة في المائة لكننا نركز على أن تلك الخيارات السيادية للدولة السودانية من حق الآخرين بناء علاقاتهم بالنظر إليها وإلى خريطتها.. ومن حقهم التوجس كما تتوجس الحكومة السودانية من علاقات الجنوب بإسرائيل مثلا وهذا توجس طبيعي..

أنا على قناعة بأن العلاقات السودانية الإيرانية في حقيقتها ليست على حساب أمن الخليج ولكن من حقهم أن يتوجسوت حينما نكون راغبين في تطوير علاقاتنا معهم.. ودعك منا نحن حتى العلاقات الإيرانية الأمريكية الآن بالنسبة للخليجيين تحتها مليون خط أحمر.. علاقات مخيفة وتقتضي منهم فتح خطوط رهان بديل في تحالفاتهم والانتقال بثقل التحالفات مع الصين ومجموعة الشرق.. لقد اتجهوا شرقا وتركوا أمريكا في قلقها من هذا التمنع الخليجي لدرجة أن يضطر أوباما لإجراء اتصال هاتفي قبل يومين مع الملك عبد الله ملك السعودية ليشرح له موقف أمريكا بالضبط ويحاول تبرير المعلومات الطافحة بأن أمريكا تنوي فتح جسر أمني لإيران على الخليج العربي وغض الطرف عن مطامع إيران في دول الخليج وأجندتها التوسعية.. وأمريكا فعلت هذا من قبل في العراق وبدأت الآن نتائج وثمار أفعالها تتحول إلى واقع من خلال التصفية التي تتم لرموز السنة في العراق بل بلغت درجة قصف مناطق سعودية الأسبوع الماضي من داخل الحدود العراقية في عملية تبنتها مليشيات طائفية شيعية قالت إنها تنوي غزو السعودية..

الأوضاع في المنطقة لا تحتمل التعامل مع حالة نصف العصا ونصف الهوى..

الآن كرتي أدرك من خلال (زنقة) البرلمان قبل يومين أن هذا الملف أصبح ملف رأي عام في السودان وكشف كرتي أيضا ربما عن إحساسه بضرورة معالجة الملف وهذه كلها علامات جيدة وصحية لكن الشيء الذي فوجئت أنا شخصيا به في تصريحات كرتي هو حديثه عن ضرورة تنوير النواب بحقائق هذه الملفات في جلسة سرية..!!

هذا مايدعو إلى العجب فعلا.. لأن تصريحه هذا يفاقم من حجم الهاجس عند كل الأطراف المعنية في حين أنه كان يمتلك فرصة ردود دبلوماسية على النوابأكثر وجاهة تجعل الأمر أكثر عادية ولا خفايا فيه.. ولكن حين يشترط شرح التفاصيل في جلسة سرية فإنه يفرقع في الأذهان كيسا من (فيشار) الاستفهامات..؟!!

يا سيدي ياوزير هناك حاجة ماسة لأن تطالع فصولا من كتب علم النفسحتى تدرك خطورة ما قد يتركه مثل هذا التصريح من مخاوف تضاف إلى صرح الخوف والتوجس الضخم عند الطرفين.. إيران التي لا نطالبك بمقاطعتها ولكن بتخفيف العلاقات معها والخليج الذي لا نطالبك بالاندلاق عليه ولكن اتخاذ خطوات موضوعية لتطوير علاقات السودان الإستراتيجية والمفيدة جدا معه..

ولو كنا نملك الحق لاعتذرنا عن هذا التصريح نيابة عنكم عبر هذا المنبر وقلنا لهم لا تفهموا الوزير (غلط) فالرجل خانته العبارة وخانه التعبير والتصرف.. والعلاقات طبيعية والسرية التي يتحدث عنها فقط للاحتفاظ ربما بخصوصية العلاقات الثنائية.. فـ(خصوصية) على الأقل كلمة أفضل من (سرية).. في التعامل مع ملف دولي به بعد (سيكولوجي) ياسعادتك..