أبوقردة.. أكثر من سيناريو!!
بحلول الساعة الثالثة من ظهر امس كان بحر ادريس ابو قردة زعيم الجبهة المتحدة للمقاومة قد مثل امام القاضي الايطالي كونو ترفوسر، تنفيذا لامر المثول الذى اصدرته الدائرة التمهيدية بمحكمة الجنايات الدولية، في مواجهة تهم تتعلق بشن هجوم فى سبتمبر من العام 2007 م على بعثة الاتحاد الافريقي بمنطقة حسكنيتة، والذى وصف بانه اكثر الهجمات دموية على جنود حفظ السلام في دارفور. القاضي ترفوسر اطلع ابوقردة فى جلسة علنية على حقوقه والجرائم المنسوبة اليه.
(1)
ما ان اقلعت الطائرة متجهة نحو لاهاي، حتى رجع ابو قردة بذاكرته للوراء، فهو لم يكن يدري ما ينتظره، بعد ان تجاوز الاربعين بعام. كانت سنوات عمره حافلة فى مجملها، لاسيما بعد انضمامه لحركة العدل والمساواة ووصوله للصف الأول، ثم ما لبث ان انشق من الحركة وكون مع مجموعة من الحركات الدارفورية (الجبهة المتحدة للمقاومة) وتولى رئاستها، بل انه كان محورا للكثير من الهمس والتسريبات، ابرزها ما تردد ان اسمه ضمن قائمة من ثلاثة اشخاص قد طلبهم مدعي الجنائية لويس أوكامبو في العشرين من نوفمبر 2008، دون ان يكشف عن اسمائهم وقتها.
فى الجانب الآخر كان ابوقردة يؤكد موقفهم الداعم للمحكمة الجنائية التي تبدو فى نظره كجهد عالمى وانسانى يجب ان يصل الى غايته، لتبسط العدالة.
(2)
وندع ابوقردة وافكاره جانبا، قبل ان تصل طائرته لمطار لاهاي عصر الاحد برفقة عدد من مستشاريه، ويحظى باستقبال لائق بوصفه اول الذين يمثلون طواعية امام المحكمة، حيث قالت المحكمة في بيان لها انه وفقا للمدعي العام فإن ابوقردة ابدى رغبته فى المثول امام المحكمة ولذا قرر القضاة ان اصدار امر قبض بحقه ليس ضروريا.
واضافت انه وبعد اللقاء بمحاميه تم ايصاله إلى مكان إقامة سيظل سرياً ويُعْتبر امتداداً لمباني المحكمة التي يحظر على أبي قردة مغادرتها دون إذن خاص من الدائرة.
وقد رحبت سيلفانا أربيا مسجل المحكمة بوصوله وقالت إن حضور أبي قردة طواعية قد يفيد في تشجيع مشتبه بهم آخرين ممن لا يزالون فارّين على المثول أمام المحكمة حيث سيتمتعون بكل ضمانات المحاكمة العادلة.
ويرى مراقبون ان خطوة ابوقردة اتت بعد توفير ضمانات دولية للرجل، ويضيف ناجي شيخ الدين المحلل السياسي انه وفقا للوائح المحكمة فانه لابد من التمييز بين طلب المثول والايقاف، وان الاول يصدر بعد ان يقتنع القضاة بان المشتبه به سيحضر امامهم بطوع نفسه، اما امر القبض فانه يصدر فى حالة التشكك فى امتثال المشتبه، او اتجاهه لعرقلة سير التحقيق او حتى لضمان عدم استمراره فى ارتكاب مزيد من الجرائم. ويرجح شيخ الدين ان ابوقردة لم يتحرك من تلقاء نفسه، بل ان هناك جهات دولية دفعته ودعمته، مما دعا المحكمة لتعديل امر القبض بحقه لطلب مثول.
وينظر لخطوة ابوقردة المثول امام المحكمة فى سياقين اولهما استدراج الخرطوم لموقف مماثل، او حتى تليين موقفها على اقل تقدير. وثانيها الضغط عليها واحراجها، بان مطلوبي الحركات قد مثلوا طواعية، وفى كل الاحوال فان المحكمة الجنائية تكون قد نجحت فى احياء القضية ، واعادتها لدائرة الضوء مجددا بعد ان صورتها الخرطوم بانها (خداج)!!.
(3)
غير ان الموقف الرسمي بالخرطوم كان مختلفا، واعتبرت أن مثول أبو قردة أمام المحكمة تمثيلية سيئة الاخراج لإكساب المحكمة شيئاً من المصداقية المفقودة. و قال السفير على يوسف مدير المراسم بالخارجية انهم متمسكون برأيهم بانه لا ينبغي تسليم اي مواطن سوداني الى المحكمة حتى ولو كان متمردا من دارفور. وقال انه يثق بان النظام القضائي السوداني مؤهل بما يكفي للتعامل مع كل الجرائم المتعلقة بدارفور لكن لم يتم ابلاغهم ولايستيطعون منع شخص يريد ان يسلم نفسه الى المحكمة الجنائية الدولية.
وفى ذات الوقت اكدت جبهة المقاومة براءة ابو قردة من التهم المنسوبة اليه، وكشف شريف آدم منصور القيادي بجبهة المقاومة ان ابوقردة سيعود بعد جلسة لاهاي مباشرة الى دارفور، واضاف منصور انه تمت دعوة ابوقردة فى السابع من مايو الماضي للمثول بشروط عدة، منها الامتناع عن اي تصريحات سياسية، وعدم التطاول على المحكمة والدولة المضيفة.
ويشير عبد الله الصافي (راديو حريتنا المصري) من القاهرة وبحكم متابعته لابو قردة فى الفترة الاخيرة واجرائه حوارا صحفيا معه، يشير الى ان الرجل اظهر استعداده للتعاون مع المحكمة منذ نوفمبر من العام الماضي، وقال بالحرف الواحد انه اذا تم اخطاره رسميا بالاتهامات، فسيتعاون ويذهب الى لاهاى ويدافع عن نفسه بكل السبل القانونية. ويضيف الصافي ان ابوقردة يثق فى براءته، ويقول انه ابان احداث حسكنيتة كان بعيدا عن موقع الإحداث بشهادة كثيرين من اهل دارفور وقادة الحركات. ويزيد الصافي بان مثول ابوقردة امام المحكمة، يخفف كثيرا من الاحكام التى قد تصدر فى حال ادانته، كما انه سيكون بمقدوره مغادرة لاهاي بعد الجلسة الاولى، وسيتم اخطاره بعدها بموعد جلسة اعتماد التهم.
(4)
ويقول شيخ الدين ان القائمين على امر الجنائية عمدوا الى التأكيد على ان المحكمة الدولية تمضي ببطء، ولكنها تسير، وان مثول ابوقردة هو البداية الفعلية لتسريع توقيف المطلوبين بشكل او آخر.
وفى ذات الوقت اشارت فابينا هارا (كبيرة المستشارين السياسيين السابقة للامم المتحدة بالسودان) الى ان خطوات المحكمة الجنائية تجاه الحركات المسلحة اتت متأخرة، وقالت هارا انه كان على المدعي العام ان يعمل على قضية قادة الحركات المسلحة فى نفس الوقت الذى كان يعمل فيه على قضية الجانب الحكومي، وزادت ان الاتجاهات الاخيرة قد تجعل الخرطوم تعلم بان الجنائية لاتقف بجانب الحركات المسلحة.
وفى كل الاحوال يمكن القول ان وصول ابوقردة الى لاهاي جاء فى ظل دعم دولي له، وليس من المستبعد ان تكون الخطوة جزءاً من حملة منظمة لتجهيز الرجل للعب ادوار فاعلة فى المرحلة المقبلة، خاصة ان الاوراق فى دارفور قد دخلت مرحلة الخلط واعادة التوزيع.
محمد عبد العزيز :الراي العام