الطاهر ساتي

النزع قبل التسليم …!!

[ALIGN=JUSTIFY]** كان ياما كان .. في زمن ليس بقديم .. كانت الحكومة قد التزمت بتمليك أرض زراعية بمساحة خمسة أفدنة لكل مهندس زراعي .. وأعلنت عن ذلك في أجهزة الأعلام القومية ثم الصحف .. ودقت طبولها وأقامت مهرجاناتها بمناسبة ميلاد هذا المشروع .. واعتبرت الأمر إنجازا لامثيل له في تاريخ السودان القديم ، وإعجازا لن يتكرر فى تاريخ السودان الجديد .. وهو ليس كذلك .. تمليك كم ألف فدان – من المليون ميل مربع – لمستقبل كم ألف شاب سوداني ، لم يكن يستحق كل تلك « الهيلمانة » .. ومع ذلك تقبل الجميع – بصدر رحب – كل ذاك الضجيج السياسي والإعلامي في سبيل تحسين الوضع المعيشي للمهندسين الزراعيين ، ورقصوا في حضرة إيقاع الألحان الرسمية ، ربما إيماناً بحكمتهم الشعبية « الطشاش في بلاد العمى شوف » .. وسعدت الأسر التي أنجبت المهندسين الزراعيين أيما سعادة ، وكيف لاتسعد وهى ترى ابنها قد حظي بخمسة أفدنة زراعية من جملة مئتي مليون فدان، يقال انها صالحة للزراعة ، ولاندري متي تغادر تلك الملايين الصالحة للزراعة صفحات الأطلس وتنظيرات الساسة الي حياة الناس في بلدي …؟.
** المهم .. صدق كل المهندسين الزراعيين هذا الالتزام الحكومي .. وتدافعوا بأحلامهم الخضراء نحو اتحادهم .. وهناك أكملوا كل الإجراءت والشروط المطلوبة .. وهي كالآتي .. إبراز شهاداتهم الأكاديمية مرفقة معها شهادة خلو طرف من الخدمة الوطنية .. دفع القسط الأول من قيمة الأرض ، وهو مبلغ قدره مائة ألف دينار، وكان مبلغا عظيما عامئذ على الخريج وأسرته ، ولكن في سبيل تحقيق الحلم الأخضر لأبنائها دفعت الأسرالكريمة ذاك المبلغ من دم قلبها ، وخصماً من فواتير الغذاء والكساء والدواء .. ثم انتظر الكل يوم استلام الأفدنة ورقاً وواقعاً .. وطال الانتظار .. وهكذا حال الانتظار في بلادي ، أحياناً يطول وأحياناً يكون هذا طول بلا مدى .. ولحسن حظ تلك الأسر وأبنائها ، كان لطول انتظارهم مدى .. حيث أعلن اتحاد المهندسين الزراعيين عن موعد سحب القرعة واستلام شهادة البحث ، ولكن بعد دفع مئتي ألف دينار لمن يرغب في إمتلاك « أفدنة عادية» ، وثلاثمائة ألف وخمسمائة دينار لمن يرغب في امتلاك « أفدنة ناصية » .. ودفع كل مهندس زراعي حسب استطاعته ورغبته .. واستلم شهادة بحث مشروعه الزراعي – الذي يجب أن يكون في وادي سوبا – وعاد الي أهله سعيداً مسروراً ..وبالشهادة إقرار حكومى بأن صاحبها يمتلك تلك الأرض التي عليها عشرون عاماً من تاريخ الإستلام .. !!
** ولم تكتمل سعادة السواد الأعظم من المهندسين الزراعيين في مرحلة الاستلام .. حيث حل محلها الإكتئاب .. يذهبون الي مباني المساحة ليتلقاهم موظفها باعتذار فحواه لم يبدأ التسليم ولم يأت أوانه ، فيعودون الي ديارهم بلا أرض .. هكذا استمر حالهم ، شهرا ثم آخر ، حتى فاجأتهم حكومة ولاية الخرطوم – الجمعة قبل الفائتة – باعلان صحفي قرر فيه والي الخرطوم نزع أراضي المهندسين الزراعيين بسوبا لعدم استثمارهم فيها .. تأمل هذا ياسيدي القارئ ..آلاف المهندسين الزراعيين ، يدفعون مئات الملايين من الجنيهات ، ويستلمون أراضيهم على الورق فقط لا غير ، وينتظرون موعد استلامهم لاراضيهم على الواقع في وادي سوبا، وإذ بهم يستلمون السراب حين تنزعها الحكومة بحجة أنها لم تثمر وتستثمر ، وان ملاكها غير جادين في استثمارها … كيف تثمر الأرض قبل أن تسلم لصاحبها يا عالم ..؟.. أما كان للسيد الوالى أن يسأل السادة موظفي المساحة ان كانوا سلموا تلك الأراضي للمهندسين – واقعاً وليس ورقاً – ثم يمنحهم الزمن القانوني الموضح في شهادة البحث « 20 عاماً »، وبعد ذلك ينزع أرض من يعجز عن استثمارها ..؟.. حكومة الولاية لم تفعل ذلك ، لم تمنحهم الزمن القانوني …« زمن قانوني إيه ..؟»… لم تمنحهم الأرض ذاتها ، لا عشرين عاماً ولا عشرين يوماً ، ومع ذلك نزعتها .. هذا لايحدث الا في السودان ، وليس في الأمر عجب .. ولكن المدهش أن اتحاد المهندسين الزراعيين حي يرزق و ..« يتفرج » …!!
إليكم – الصحافة -الاربعاء 18 /6/ 2008م،العدد 5386
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]