المسطول يضحكنا بغبائه
تصلني عبر الهاتف الجوال والبريد الإلكتروني مئات النكات والحكايات الطريفة التي تتميز بالإيجاز والتكثيف، وصرت استمتع بالنكات المفبركة بتركيب كلمات على صور فوتغرافية أو متحركة، وكل هذا يعد طفرة في العقل العربي الذي ظل يمجد الكم على حساب الكيف، ويفسر هذا لماذا لا تزال المناهج المدرسية تصرّ على إقناعنا بأن «المعلقات» هي أفضل ما قيل من شعر في عصر ما قبل الإسلام، مع أنني قرأت مختارات من الشعر الجاهلي جمعها «المفضل الضبي»، ووجدت فيها متعة لم أجدها في أي من المعلقات ذوات المائة بيت فما فوق ذلك، كما يفسر لماذا يحاول ساستنا وقادتنا إيهامنا بأنهم فهمانون وعالمون ببواطن وظواهر الأمور، بإلقاء خطب من شاكلة المعلقات، وأغنيات أم كلثوم (على الأقل فإن أم كلثوم كانت تطيل أغنياتها تلبية لرغبات المستمعين)،.. ما علينا أعود إلى موضوع النكات والطرف، وأقول إن نحو نصفها يتعلق بالمساطيل أي مستخدمي المخدرات، وكل نكات المساطيل تصورهم على أنهم كائنات لماحة، ذات روح مرحة وبديهة حاضرة، (ثلاث فتيات أوقفن سيارة تاكسي وكان سائقها مسطولا وقلن له عبر نافذة سيارته: ممكن السوق المركزي يا عمو؟ فقال لهن: أوكي، بس لا تتأخروا)، وفي هذا تمجيد مباشر للمخدرات، فالنكات تؤكد أن تعاطي المخدرات يجعل المزاج رائقا، ويزيل الهموم، ويؤدي إلى الفرفشة، صحيح أن بعض تلك النكات توحي بأن المخدرات تذهب العقل (كالمسطول الذي عاد إلى بيته قرابة الفجر فلما فتحت له زوجته الباب انهال عليها بالسباب والشتائم: أين كنت حتى الثالثة صباحا يا قليلة الحياء)، ولكن النكات تصور انعدام العقل عند المسطول على أنه تأكيد أن المخدرات تجعلك «تنسى»!! وهذا منطق يشبه منطق من تسأله، لماذا تمارس القمار؟، فيقول لك: نتسلى!! تتسلى بنهب نقود الآخرين؟ قد تفقد راتبك كله، وربما سيارتك وربما بيتك،.. وربما (وقد حدث كثيرا) يرغمك الرابحون على كتابة شيكات لهم بالمبالغ التي كسبوها منك ولم تكن متوافرة لديك لحظة اللعب، فتلبي رغباتهم وتكتب شيكات ورصيدك صفر أو فوق الصفر بقليل، وينتهي بك الأمر في السجن.. وتسمي هذا تسلية؟ قرأت أكثر من مرة عن مقامرين في آسيا وأوروبا اضطروا إلى التنازل عن زوجاتهم وبناتهم لمن طالبوهم بمبالغ كبيرة لم تكن لهم بها طاقة على موائد القمار!! تعطي زوجتك لآخر يتسلى بها ثم تسمي القمار «تسلية»؟ الله يسِل روحك!! وبالمناسبة فإن تعاطي المخدرات أيضا يتم تبريره بـ«التسلية»،.. فعندما تجمعك الظروف بشلة تتعاطى المخدرات، فإنك تتعرض لضغوط «لطيفة»: خد لك نفس.. والله ما يصير لك شيء.. جرب.. أنا قدامك أخدت ستة أنفاس، شايف فيني شيء غريب الحين؟ وتأخذ «نفسا» واحدا، فلا يحدث لك شيء، وقد يطمئن قلبك إلى أن الحشيش لا يختلف كثيرا عن السجائر العادية، وهكذا وفي المرة الثانية قد لا تتمنع كثيرا عندما يعرضون عليك شفطة، فتشفط.. ثم تتذكر أن الشفطة الواحدة لم تغير من حالك شيئا فتأخذ شفطة ثانية.. وفي اللقاء الثالث تصل إلى الشفطة الثالثة.. وتحس بأن حالك صار «أفضل» فتقتنع بأن زيادة الجرعة ستجعلك أفضل وأفضل.. وكله تسلية.. وسيسهل إقناعك لاحقا بأن «شمة» واحدة من بودرة الكوكايين تجعلك رائد فضاء.. وتظل تتسلى متنقلا من صنف إلى آخر حتى تصبح مصدر تسلية للآخرين.
وبالمختصر المفيد فإن ما يصدر عن المساطيل من كلام أو أفعال يثير الضحك فقط لكونه «غبي» وليس «ذكي» لأن المخدرات تعطل العقل الواعي وتجعل المهر ديكا
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]