جمال علي حسن

جدل التبغ.. وأولويات حميدة


[JUSTIFY]
جدل التبغ.. وأولويات حميدة

في بعض الأحيان يكون الهدف نبيلا نعم، ولكن ترتيبه في الأولويات يجعل لهذا الهدف معارضين.. وجيد جدا أن تنتبه وزارة الصحة ولاية الخرطوم لمكافحة التبغ وتقليل أضراره بالوسائل القانونية والضوابط المطلوبة.. ولكن مكافحة التبغ في واقعنا الصحي لا يفترض أن تتصدر قائمة الملفات الملحة وتكون هي القضية الأولى لوزارة الصحة بولاية الخرطوم والقضية التي يقاتل مأمون حميدة لتنفيذها قبل مغادرته الوزارة بدلا من أن يسلمهم تصوره ورؤيته وتوصيته لتعديل القانون ثم يترك بقية الخطوات لمن تعنيهم وتليهم المسؤولية ويكسب وقته المتبقي لتقديم إنجازات حقيقية في تخفيف تكاليف وأعباء العلاج على المواطن وتحمل الدولة لمسؤوليتها في توفير الدواء بأسعار تناسب حالة الفقر وكثافة المرض..

إن انشغال وزارة الصحة بـ(شمطة) مع المجلس التشريعي لكسر عنق القانون وتمرير لائحة التبغ بالنسبة لي حالة من حالات البوبار الحكومي أمام المجتمع الصحي الدولي بأن السودان أو الوزير (مأمون حميدة)، سجل رقما قياسيا أو ملفتا وموثقا في تقارير مكافحة التبغ الدولية.. ومن سخرية الأقدار أن ذلك يتم في الوقت الذي تتولى فيه المنظمات الدولية نفسها بدلا من وزارة الصحة السودانية مكافحة أمراض أخرى خطيرة جدا ومنتشرة، أمراض فقر وأمراض تخلف البلد وأيدز وشلل الأطفال وحصبة وأوبئة أخرى كنا قد نسينا سيرتها وطردنا مخاوفها لكنها عادت تقف عند أبواب منازلنا من جديد..

مكافحة التبغ ليست هي الأهم في بلد لا يتوافر للمواطن فيه ثمن دواء الأزمة القلبية ولا تتوافر له فرصة غسل كليته العليلة لحظة الاحتياج ولا يستطيع توفير دواء لطفله المريض.. بلد لا تزال مستشفياته العامة ووضعها الصحي يمثل أحد أهم موضوعات التحقيقات للقنوات الفضائية العربية مثل التحقيق الذي قامت به قناة الجزيرة أول أمس وعكست خلاله مأساة الصحة في بلد مكافحة (الصعوط)..!! الضار جدا بالصحة نعم.. لكن ما يهم بعضهم أكثر أنه غير اجتماعي!!

هل عالجتم كل قضايا الصحة بهذا الإصرار الذي تتعاملون به مع ملف التبغ.. وهل العالم يتعامل مع مكافحة مثل هذه المكيفات الضارة فعلا بلغة (اخنق فطس).. أم بالتدريج..؟ أنتم أدرى منا بذلك..

وتعلمون أن الشعب السوداني به نسبة إدمان عالية للتبغ المسمى بالتمباك وكذلك السجائر ونسبة لا يستهان بها من إدمان الفساد.. ونسبة محدودة جدا لكنها خطيرة من مدمني (سف) المال العام أيضا..!

مكافحة التبغ موضوع ندوات وبرامج توعية و(شغل تاني) يمكن فعلا أن ترعاه وزارة الصحة ولكن بعد أن تنجز ما عليها من مسؤوليات مباشرة تتعلق بأوضاع طارئة ووضع صحي غاية في التردي ومؤسسات صحية حكومية تتضاءل ويختفي بعضها من الوجود لتحل محلها مشافي الأثرياء وقبور الفقراء..!!

التبغ ليس هو الأهم الآن كما إننا ومن واقع ثقافتنا يجب أن نكون مدركين أن إدمان التمباك مثلا يحتاج إلى معالجات تدريجية للإقلاع عنه كعادة سيئة وضارة ولن تفيد فيه قوانين تهدف لتنفيذ حالة إقلاع جماعي فوري عنه وهذا مفهوم للجميع ومعتمد عند أهل الصحة في كل الدنيا حين يقرر مدمن من تلقاء نفسه أن يقلع عن ما ابتلاه به ربه فإن ذلك يتم بالتدريج وحتى مدمنو المخدرات تكون الخطوة الأولى التي يقوم بها المدمن هي تسليم نفسه للطبيب ومشفى العلاج الذي يباشر معه خطوات تدريجية حتى يتعافى.

ما المانع أن يكتفي السيد الوزير بعمل الخطوة الأولى خطوة المبادرة ويترك الشفاء من البلاء للزمن وللآخرين فهو موضوع ثقافة وموضوع توعية أكثر من كونه موضوع قانون وحسم وحزم..

الحسم والحزم بهذه الدرجة كنا نريده من وزارة مأمون حميدة ومعز بخيت وبقية الشلة أن يكون وقفة قوية من الوزارة مع المسؤولين الكبار لانتزاع حقوق صحية للمواطن.. وقفة مع وزير المالية وطرق مستمر في أبواب مالكي القرار والمال وخزنته في الدولة لتخفيف وتخفيض أسعار الدواء الذي لا يتناوله المواطن مثل التبغ والكماليات والمكيفات بل هو سلعة ملحة ترتبط بحياة الإنسان وبالتالي يجب أن تستمر المطالبات من كل الجهات لدعم الدواء ومضاعفة الدعم مرات ومرات فليس هناك أهم وألح من الدواء بالنسبة للوزارة التي ترضى بالنصيب الأقل من ميزانية الدولة.. قاتلوا في المنابر الرسمية لزيادة نصيب الصحة من الموازنة هذا هو الأهم..

نعم نتمنى أن يأتي يوم على بلادنا وهي خالية من المدخنين و(سفافي الصعوط) ولكن نريدها وقبل ذلك اليوم أن تكون خالية من (سفافي) المال العام وقوت المواطن أيضا..!!

[/JUSTIFY]

جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي