الخرطوم وباريس .. الحرب اولها كلام
اخيرا وضعت الخارجية السودانية الامور في اتجاه جديد واعلنت ان فرنسا وليس تشاد هي من يقف وراء الازمة الناشبة في حدود السودان الغربية، حيث اتهم المتحدث الرسمي باسم الوزارة السفير علي الصادق، فرنسا بمساندة تشاد ومدها بالمعلومات والمشورة العسكرية للجيش، وجزم في تصريحات صحفية امس بعدم مقدرة تشاد الاقدام على اي عمل عسكري دون هذا السند، محملا باريس مسؤولية ما جرى ويجري الآن بين البلدين.
لتكون الحكومة بذلك قد عبرت الى الضفة الأخرى من الشاطئ الممتلئ بالافيال صاحبة الظلال لتختار اما المواجهة الصريحة ومن ثم تصويب الحديث الى موضعه بدلا من اراقة الوقت وتبديد الجهد في ما لا طائل من ورائه، أو التواري خلف الرمال المتحركة والبحث من جديد عن اتفاقات لا تغني من مشاكسات مع الجارة القريبة تشاد، وفي هذا تقول الصحفية والكاتبة سلمى التجاني في مقالها الراتب بـ الصحافة قبل ايام انه وبدلاً عن بذل الجهود العربية والأفريقية لتحقيق المصالحة مع تشاد، يبدو أنه من الحكمة دخول الدول من أبوابها، والتفاوض مباشرة مع فرنسا في كل ما يتعلق بالشأن التشادي .
ويقول مراقبون ان الاوضاع بين البلدين صارت اقرب الى المواجهة منها الى العلاقات السوية التي قال عنها باتريك كولوزو، سفير فرنسا بالخرطوم، انها علاقة تاريخية، مشيرين الى تصريحات منسوبة للناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية اريك شوفالييه حول تأييد فرنسا لاعتراض طائرة الرئيس عمر البشير في حال سفره للخارج للمشاركة في قمة الدوحة في شهر مارس الماضي، وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير، قبل يومين حول مسؤولية السودان عن اشعال الصراع مع تشاد وسرعة وتفوق الجيش التشادي في الصد.
ويبدو ان التصعيد الفرنسي يسير بمتوالية هندسية حتى وصل الامر الى التعليق على العمل العسكري من جانب الفرنسيين مما دفع بالناطق الرسمي للخارجية للتأكيد على عدم مقدرة تشاد الاقدام على اي عمل عسكري دون السند الفرنسي (ومدها بالمعلومات والمشورة العسكرية للجيش) مما يعني ان الكلام دخل ساحة اخرى اولها كلام.
ولكن استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية البروفيسور صلاح الدومة يحذر في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس من ان فرنسا دولة عظمى ويجب استخدام الطرق الدبلوماسية معها ويقول ان الحل العسكري مستحيل ولا بد من الدبلوماسية مؤكدا ان الاسفار عن العداء او عدمه لا يقدم ولا يؤخر مشيرا الى ان باريس كانت واضحة ومحددة في طلباتها من الخرطوم ومنها التعاون مع المحكمة الدولية ونشر قوات دولية ووقف دعم المعارضة التشادية وتحسين العلاقات التشادية السودانية، مشددا على ان اي حديث عن العلاقات السودانية الفرنسية دون حل ازمة دارفور سيكون ضربا من الوهم، بينما يذهب الصوارمي خالد مدير مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الى ان المسألة ربما كانت مرتبطة بنظرية الفوضى الخلاقة التي تعتبر ركيزة اساسية من ركائز الاستعمار الحديث ويقول في مقال له قبل ايام انه عندما تتحدث الأوساط التشادية عن امكانية تدخلها عسكرياً في السودان فإن الامر فيه خطورة من يتحدث بلسان غيره، هذا الغير قد يكون هو دولة متقدمة لها مصلحة عليا في المنطقة، وهذه المصلحة لا يمكن الوصول اليها الا عبر نظام الفوضى الخلاقة! موضحا ان الجيوبولوتيك الذي تتبناه الدول المتقدمة يعرف الدولة الحديثة (الدولة هي الحدود الإدارية والاقتصادية والعسكرية) ويقول انه وبناء على هذا المفهوم فإن دارفور (مثلاً) وهي في تصور الدول المتقدمة ليس للحكومة السودانية لها عليها سلطان كامل من الناحية العسكرية والادارية والاقتصادية، وبالتالي فهي ليست جزءاً من السودان. وبهذا المفهوم ايضاً فإنهم يعتبرون تشاد الدولة ليس بها حكومة تستطيع حسم الامور هناك بالصورة التي تعبر عن الدولة العصرية، وبالتالي هي عندهم بمثابة أرض فالتة مشروعة.
هذا يقودنا الى ان البعض ينظر الى ان الامر برمته يندرج في اطار نزاع الدول الكبرى على مصالحها في المنطقة ويقول البعض ان فرنسا تريد دوراً موازياً للدور الأمريكي في المنطقة يعزز وجودها ومصالحها وتقول الدكتورة بهجة بشير رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري في حديث نشر من قبل أن فرنسا تتخوف من السودان لكي لا يحرض الدول الإفريقية عليها بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية مشيرة الى إن فرنسا تستعيد نفوذها ووجودها في الدول الإفريقية من خلال مناطق الاشتعال وتسعى لفتح قنوات جديدة في منطقة دارفور وهى تطمع في الثروات المعدنية والبترول السوداني.
ولكن استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية البروفيسور صلاح الدومة يستبعد ان يكون للأمر علاقة بصراع النفوذ بين القوى العظمى ويقول المسألة ليست بهذه البساطة ( وما يحدث الآن لا يدخل في صراع الكبار وانما تبادل ادوار بين امريكا وفرنسا) متسائلا (هل وجد السودان مساندة من امريكا في اختلافه مع فرنسا) ليعود ويقول في كل الاحوال تدفع دول العالم الثالث الثمن سواء اختلف الكبار او اتفقوا .
التقي محمد عثمان :الصحافة