على أعتاب عام جديد :استعدادات المدارس .. رحلة تفتيش
وضعية غريبة للمدارس بالسودان.. فبشهادة وزير التعليم العام الاتحادي د. حامد محمد ابراهيم وتصريحه من داخل ورشة إلزامية التعليم الذي انعقد أخيراً، هناك مدارس (7) نجوم بالعاصمة.. ومن جانبنا نقول في المقابل توجد عشرات المدارس المتصدعة، واخرى تفتقد للاجلاس ودورات المياه والبيئة التعليمية المناسبة.. مدارس (ترفل) في الرفاهية وأخرى (تغرق) في الاهمال والنسيان.. وهذه حالة تشخيصية لحال بعض مدارسنا قبيل انطلاقة العام الدراسي الجديد..
………………………………………………………………………………………………………..
(ضيق ذات اليد)
الصديق السر مدير مدرسة اساس سألته عن الاوضاع بالمدرسة فقال مجيباً الحمد لله على كل حال ولكن بصورة عامة واذا أردنا ان نتحدث بصراحة فإنني ومنذ عشر سنوات تنقلت فيها بين عدد كبير من المدارس لم اشعر بانني ادير مدرسة هدفها ترقية التعليم ويضيف فكل الذي يحدث من الممكن ان نقول انه عبارة عن صورة خارجية لاشياء تسمى مدارس ولكنها بالداخل فارغة المحتوى وقال: مثلاً من ناحية المباني نجد ان معظم هذه المدارس بالية ومتصدعة تشكل خطورة على حياة الطلاب ولكل من يعمل بها ويضيف وذلك لأنها مؤسسة منذ عشرات السنين ولا تخضع لصيانة دورية وقال فمن المستحيل ان تمنح اموالاً للصيانة مهما كثرت لا طلباتك لوزارة التربية والتعليم بضرورة ذلك ويضيف فالوزارة حينها تذهب اليها لطلب اموال للتسيير تحكي ضيق ذات اليد على الرغم من انها تنادي بمجانية التعليم التي لا يمكن ان تكون حديثاً وشعارات فحسب وانما تحتاج للدعم الكافي والمقدر الذي يضمن للعملية التعليمية الاستمرار والنجاح، ويشير الى ان هناك مدارس عمل بها لا تتوافر فيها دورات للمياه للاساتذة ناهيك عن الطلاب ويضيف سبق وان عملت بمدرسة استوعب فصل فيها (100) طالب بالصف الاول وقال فاعترضت على ذلك ولكن للاسف اللجنة الشعبية اصرت على تدريس كل الطلاب وأن رجائي اليهم بعدم جدوى ذلك ذهب هباءً، ويقول السر متسائلاً فكيف يترك الحبل على الغارب للجان الشعبية لعملية تسيير المدارس على الرغم من عدم المامهم بمجريات العملية التعليمية، فقلت له أن هنالك مدارس متفوقة يرغب معظم الطلاب في الالتحاق بها فقال لا شئ اسمه مدارس متفوقة وأخرى غير متفوقة فالامر مرتبط بمدى اهتمام وزارة التربية والتعليم بمدرسة دون أخرى.
ويشير الى أن هناك مدارس تسمى نموذجية تجد اهتماماً منقطع النظير من المسئولين ويوزع لها الطلاب الناجحون بدرجات عالية على حساب مدارس هي في أمس الحاجة لهؤلاء الطلاب حتى يساعدوا زملاءهم بالفصل الواحد الذين هم أدنى منهم ويضيف فالمدرسة لا بد ان تتباين فيها المستويات وليس كما يحدث الآن من تفريق للطلاب وبحسب مستوياتهم الذهنية واوضاعهم الاقتصادية ويشير الى أن مسألة توزيع الطلاب لمدارس نموذجية وغير نموذجية بحسب مستوياتهم يعد امراً في غاية الخطورة فمن الممكن ان تفقد البلاد (90%) من مستقبلها التعليمي من مجموع الطلاب الذين هم بالمدارس غير النموذجية ويضيف فالعملية التعليمية بتلك المدارس تسير برزق اليوم وتفتقد لما يسمى الجودة في التعليم.
مدارس بلا مواصفات
يقول الطيب النعمان الخبير التربوي عندما سألته عن واقع العملية التعليمية والمدارس في السنوات الاخيرة يقول هذا حديث يحتاج لدراسات وبحوث خاصة وان حال التعليم يشهد تدهوراً بشكل مجمل ويضيف فلا يمكننا ان نقول ان التعليم بخير إلا اذا وضعنا المنهج العلمي الذي يقود لذلك، فسألته عن المشكلات التي تواجه العملية التعليمية فاجاب قائلاً: المنهج الذي يعتبر أسس العملية التعليمية به العديد من الشوائب والنواقص وفي اعتقادي ان هذا المنهج لم يخضع لدراسة من قبل ذوي الاختصاص الذين لديهم خبرات ثرة في هذا الجانب فلا يعقل ان يوضع منهج لمستقبل بلد كامل بهذه الصورة الارتجالية فقلت له أذن ما هي النتائج المحتملة من ذلك؟ فقال بلا شك ان النتائج ستأتي سلبية ان لم تكن قد اتت بالفعل، ويضيف فالآن معظم ارباب العمل والشركات والمؤسسات التي تطلب موظفين تشكو مر الشكوى مما آل اليه حال هؤلاء المتقدمين للوظائف من تدن وضعف وذلك لعدم إلمامهم بابجديات تخصصاتهم ويشير الى ان كل هذا يرجع لضعف المنهج وتأرجحه ويقول علينا ان لا نجهل البيئة المدرسية فمعظم المدارس الآن تفتقر لمواصفات المدرسة التي يرجى منها تخريج اجيال يستفاد منها في عملية رفد التنمية بالبلاد، ويشير الى أن المدارس تحتاج لإعادة نظر والوقوف على بيئتها فهناك مدارس مهملة للغاية وتفتقر للفصول المهيأة التي تساعد على عملية الاستيعاب ويضيف هناك فصول تعاني من الازدحام الشديد للطلاب ويشير الى وجود فصول بها اكثر من (80) طالباً وتساءل قائلاً هل من الممكن ان يضمن المدرس توصيل المعلومة لكل هذا العدد؟ ويجيب: اعتقد ليس باستطاعة اي مدرس مهما كانت مقدراته ان يوصل المعلومة لهذا العدد من التلاميذ بالشكل العلمي الصحيح والمتعارف عليه عالمياً ويضيف ومن عوامل ضعف العملية التعليمية السلم التعليمي وما يشهده من تأرجح ويشير الى ان السلم التعليمي يعتبر العمود الفقري للعملية التعليمية ولكن للاسف وضع هذا السلم بعشوائية ودون دراسة علمية ويضيف فإن اردنا تعليماً فعلينا اصلاح اعوجاجه ، حتى يواكب عصر العولمة والنهضة التعليمية التي تسود اليوم العالم الحديث ويشير الى ضرورة اعادة بنائه على أسس تربوية تعليمية قويمة تتناسب مع مقدرة التلميذ الذهنية وتتوافق مع الفارق العمري لكل مرحلة عمرية، ويضيف ولا بد من الاستعانة بذوي الاختصاص والاستئناس بخبرات الدول المتقدمة ووصف السلم التعليمي والمنهج المتبع الآن بالسقيم وقال كادت هذه العملية ان تدمر طاقات طلابنا الذهنية والاستيعابية ولذا لا بد من عملية اصلاحه حتى لا ندفع الثمن غالياً فالكل يعلم ان العملية التعليمية وجودتها تعني ازدهار الشعوب وتنميتها ويضيف ورداءة العملية التعليمية بلا شك انها تعني مستقبل مظلم حالك .
مصير مجهول
ويذهب الخبير التربوي لاكثر من ثلاثين عاماً الفاتح مجتبى عندما سألته عن التميز بين مدرسة واخرى كأن يقال لك هذه مدرسة نموذجية وتلك عادية فأجاب قائلاً: الاصل في العملية التعليمية السليمة التعامل معها بشكل موحد دون تمييز فمسألة تمييز مدرسة على الآخرى تعد من العوامل التي تؤدي الى ذهاب العملية التعليمية الى مصير مجهول ويبدو ان نتائجه الآن بادية للعيان ويضيف فالكل الآن يحدثك عما آل اليه التعليم من عدم اهتمام ويشير الى ان هناك بعض المدارس تلقى رعاية كاملة من قبل المسئولين بالدولة وكل طلباتها مجابة، أما الغالبية العظمى من المدارس بولايات السودان المختلفة باستثناء مدارس بالخرطوم نجدها خرجت تماماً عما يسمى التعليم ويضيف فكل المدارس بالولايات تعاني النقص الحاد في المدرسين فالمدرسون الذين يزاولون العمل يفتقدون للتدريب والتأهيل فهم ليسوا ملمين بكيفية التعامل من الطلاب ناهيك عن توصيل المعلومة بالشكل السليم ويشير الى انه كان بداخل فصل يوجه معلم اللغة العربية بالصف الثامن اساس واثناء قيام المعلم بعملية التدريب اعرب المدرس اكثــر من خمس جمل بصــورة غير صحيحــة وفي احـــدى (الجمل) صعد تلميذ بنية يذكر الاستاذ بأن اعراب الجملة الفلانية غير صحيح وبدأ الطالب في اعراب الجملة صحيحة ولكن المعلم شعر بالتوتر ولكنه تعنت وقال له ان الاعراب صحيح.
ويضيف ولكنني ذكرت للاستاذ ان اعراب الطالب صحيح وعندما خرجت للمدير فأخبرته بما حدث قال لي المدير: هذا الاستاذ من أفضل الاساتذة لدينا واضاف فليست هذه الحالة الاولى ولا حال التعليم بشكل مجمل هكذا ويحتاج لمراجعة شاملة وفورية فالوضع لا يحتمل كل هذا ويضيف فالتعليم الجيد يعني مستقبلاً جيداً وغير ذلك يعني مستقبلاً ربما عواقبه تكون غير محمودة ويشير الى ان كل العمليات التعليمية بالعلم تسير وفق منهج ثابت لا يعتريه التغيير بشكل عشوائي كما هو جار الآن ويضيف فمن الممكن هنا أن نغير المنهج والنظام بين عشية وضحاها دون الرجوع لبيوت الخبرة والعلماء، في هذا الجانب سألته عن الفوارق بين مدارس الولايات والمدارس بالخرطوم، فقال في الخرطوم حيث المركز تجد بعض المدارس شيئاً من الإهتمام ولكنه ليس بالقدر الكافي الذي يطور العملية التعليمية فهو ايضاً اهتمام ناقص ولكن اذا قارناه بما يجرى في مدارس الولايات فالفرق بالمدارس الثانوية كاد ينعدم تماماً لعدم تهيئة تلك المدارس بالصورة المطلوبة ويضيف فهي تنعدم فيها المعامل والاساتذة المختصون فلا يعقل ان يقوم مدرس واحد بتدريس كل المواد العلمية لمختلف الفصول فكيف اذن تستقيم الامور في الحقل العلمي ومن ثم يذهب خوفنا على حال التعليم وما آل اليه من انعدام وجود رؤية واضحة لتطويره والاعتراف بأن التعليم ليس على ما يرام واختتم حديثه قائلاً: فمسألة اهتمام بمدرسة وترك أخرى ليس من الحكمة في شئ ويصيب العملية التعليمية في مقتل وكذلك فأن مسألة ما يسمى بالمدارس النموذجية التي تفشت في الآونة الاخيرة فبلا شك ان لها تأثيراً سالباً على نفسية الطلاب في المدارس الاخرى وذلك للفوارق الكبيرة بين هذه المدارس ومدارس السواد الاعظم التي تفتقر لعوامل البيئة التعليمية السليمة.
مجرد شعار
وفي ورشة الزامية التعليم ومجانية وكيفية وصول الكبار الى القراءة التي عقدتها لجنة التربية والتعليم بالبرلمان طالب د. حامد محمد إبراهيم وزير التعليم العام الاتحادي بمجانية التعليم وقال لا ينبغي ان تصبح مجرد شعار، وتساءل لماذا لا نخصص (40%) من الميزانية للتعليم واعترف بأن وزارته قد عجزت تماماً عن ابجاد حلول ناجعة للمشاكل ومثبطات التعليـــم وقال لا بد من تهيئة البيئة المدرسيـــة واردف في الخرطوم توجد مدارس (7) نجوم وأخرى متدهورة وبلا استقرار وقال نحن غير راضين عن اوضاع الرحل وقال ان وزارته تعاني من شح التمويل وقال بروفيسور الحبر يوسف نور الدائم في ذات الورشة ان التعليم للجميع مجرد شعار.
يوسف محمد زين :الراي العام