جنادب وتقاوى الجزيرة.. فلنرقص الآن
وحين تقرأ في أساطير الأولين تشفق عليها من أساطير المتأخرين من السودانيين، وفي تلك قال إيسوب (يحكى أن نملة مجتهدة وجندباً كسولاً كانا يعيشان في الغابة، وفي الصيف جمعت النملة كمية كبيرة من القمح وادخرتها للشتاء. لكن الجندب الكسول ظل يغني ويلهو كامل الصيف حتى فاجأه الشتاء، وعندما لم يجد شيئا يأكله، ذهب إلى النملة وطلب منها أن تعيره قمحاً حتى حلول الحصاد التالي، لكنها سألته ماذا كنت تفعل في الصيف، فرد بانكسار: أنفقت وقتي في الطرب، فردت النملة فلترقص الآن).
غزوتان ذواتا شوكة وبأس شديد (أُبتليت) بحسب السائد من اللغة – بهما ولاية الجزيرة خلال الأسابيع المنصرمة، فكانت قضية التقاوي الفاسدة (أحد الكبرى)، أما جيوش الجنادب الغازية، فكانت (أحد الصغرى)، بجامع الهزيمة في كلٍّ.
وها هي قضية التقاوى الفاسدة ذاهبة بأقصى سرعة إلى مثواها الأخير، بينما القاتل يبكي على جنازة القتيل، وكأني هنا أرى والي الجزيرة لا يأبه للمواطنين حين يقولون له، كما قال النبي لابن جبير (انْضَحْ عَنَّا الْخَيْلَ بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَ مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ). وها هم مواطنو الجزيرة تتخطفهم التقاوى والجنادب (خطفة أبو تاج)، بينما حكومتهم تنظر إلى خيبتها وبؤسها و تلخصها في بيانات صحفية لا قيمة لها.
وهكذا ظلت حكومة ولاية الجزيرة تغني وتلهو كامل فصل الصيف، بينما (نمل) العالم كله يجتهد ويزرع، حتى إذا جاء الشتاء، وهي غمرة لهوها ذهبت لنمل الخليج ونمل أوروبا والنمل التركي ونمل المؤلفة قلوبهم والصابئة وعبدة الشيطان والذين دنا عذابهم، تطلب منهم ما يسد رمقها إلى موسم الحصاد القادم، فيمنعونها أو يعطونها (عطية مزين).
وها هي الجنادب تأتي (خير خلف) لخير سلف (التقاوى الفاسدة)، فترسل حكومة ود مدني السني هدهدها بالأخبار إلى صحف الخرطوم لتقول إنها أرسلت إلى جنادب السموات والأرض من عليائها طيراً أبابيل ، فيعرض نائب الوالي في منبر الـ(اس ام سي) ويعرض وزير الصحة في منبر آخر، وخيرهما الذي يقول كل شيء ولا يفعل شيئاً واحداً.
فالجنادب أضحت لديها مضادات أرضية عالية التقنية لأبابيل الولاية من طائرات الرش المتهالكة، وكتائب ردع أرضية قوية ضد كافة الأسلحة القديمة، لذلك كله ولأن الجنادب لا تزال تاجم بضراوة وقوة، فإن تصريحات نائب الوالي ووزير الصحة بأن معركة الولاية ضد (أبو الجندب) قد وضعت أوزارها تبدو وكأنها رقصة صيفية في فصل الشتاء.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي