عبد الجليل سليمان

وبتنا كلنا ناءٍ غريب


[JUSTIFY]
وبتنا كلنا ناءٍ غريب

ليلة أمس، سهر من سهر من الصحفيين والسياسيين وأطياف من الانتهازيين والأرزقية ونام بقية خلق الله، ولأنني كنت في تلك الليلة أتمثل العبارة الشهيرة (أما أنا فلا أخلع صاحبي)، وكنت أبحث عنها في الأثرين الخطابي والشعري، فوجدت أنه قيل: (لما اجتمع عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري، قال عمرو: إنهما ظالمان (أي علي ومعاوية)، وأن علياً آوى قتلة عثمان ومعاوية خذله، فنخلعهما ونبايع عبد الله بن عمر لزهده واعتزاله عن الحرب، فقال أبو موسى نِعم ما رأيت، قال عمرو: فإني قد خلعت معاوية فاخلع علياً إن شئت، وإن شئت فاخلعه غدا فإنه يوم الإثنين، قيل: فلما أصبحا خرجا إلى الناس فقالا: قد اتفقنا، فقال: أبو موسى لعمرو: تقدم واخلع صاحبك، فقال عمرو: سبحان الله أتقدم عليك وأنت في موضعك وسنك وفضلك مقدم في الإسلام والهجرة ووفد رسول الله (ص) إلى اليمن وصاحب مقاسم أبي بكر وعامل عمر وحاكم أهل العراق فتقدم أنت فقدمه، فقال أبو موسى: إنا والله أيها الناس قد اجتهدنا رأينا فلم نر أصلح للأمة من خلع هذين الرجلين وقد خلعت عليا ومعاوية كخلع خاتمي هذا: فقال عمرو: وإني خلعت صاحبه عليا كما خلع، وثبت صاحبي معاوية كخاتمي هذا وجعله في شماله.
فكان هذا التحكيم تدشيناً لمرحلة جديدة من التاريخ السياسي للدولة الإسلامية، فبدلاً عن انتخابات (أهل الحل العقد) الضيقة، ظهر التوريث، ولا زال في كثير من الدول ماثلاً كنظام حكم عضود.
لكن ليلة أمس، التي سهر الخلق جراها واختصموا، لم تكن تهمني حتى بهذا القدر من نظرية (التحكيم) الخادعة، فذهبت إلى الشعر أنظر فيه، فلذت بالحركة الأولى من وتريات مظفر النواب الليلة: لحركة الأولى: (أما أنا، فلا أخلع صاحبي/ عاشرته، وخبرته، وعرفته/ ولذا لا أخلع صاحبي/ في تلك الساعة من شهوات الليل/ وعصافير الشوك الذهبية تستجلي/ أمجاد ملوك العرب القدماء).
على كل، لم أجد عزاءً في كل ذلك، وكذلك لم يجد (الساهرون) عزاء، فبتنا كلنا ناءٍ غريب، حينها والليل يبلغ أشدة ويمسك هزيعه الأخير بتلابيب الفجر، ناديت على الشاعر العظيم والمغني العظيم أن أديرا ظهرى لكل هذا، ففعلا، إنهما محمد محمد علي وعبد العزيز محمد داؤود، فكانت أغنية آخر تترنح بي على حافة الصبح وتنسيني تلك العبارة الدامية، وغنينا (عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى وتوالت ذكرياتي عطرات بالهوى/ كان لي في عالم الغيب غرام و أنطوى/ كان لى في الأمس أحلام وشوق وحبيب/ كان للجرح طبيب لا يدانيه طبيب/ (كان ما كان) (وبتنا كلنا ناء غريب).

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي