تحقيقات وتقارير

مشاهد ووقائع من شرفات المسرح السياسي

[JUSTIFY]هل تعبر التعديلات الدستورية جسر البرلمان صامتة؟؟
لماذا غابت (حماس) و”الغنوشي” واليمنيين عن مؤتمر الوطني الأخير؟؟
“غندور”.. من معركة بناء حزب إلى سلام المنطقتين
لن تجد التعديلات المرتقبة على الدستور صعوبة في العبور من خلال قبة البرلمان لتصبح واقعاً على الأرض، وذلك بإلغاء بعض مواد الدستور الحالي واستبدالها بأخرى من أجل إطلاق يد رئيس الجمهورية لتعيين ولاة الولايات من جهة وإعادة احتكار ملكية الأرض للحكومة المركزية بذريعة أن الأراضي الاستثمارية ملك للدولة حتى تنهي الحكومة الصراعات التي تنشب حول الاستثمار، ويصبح من حق وزير الاستثمار المركزي البحث عن مستثمرين أجانب، أو وطنيين ومنحهم مشروعات زراعية أو أراضي للتعدين في أية ولاية دون أن تملك تلك الولاية أو المحلية حق الاحتجاج أو الرفض.. وعبور التعديلات الدستورية فيه البرلمان بلا عائق أو رفض من قبل النواب بسبب الرأي العام السالب الذي تشكل عن تجربة الحكم الفيدرالي الحالية والتشوهات الكبيرة في الممارسات والتطبيق، وتنامي العنصرية والقبلية والفساد الذي صاحب ممارسات الولاة لعملية الاختيار الداخلي في حزب المؤتمر الوطني لمرشحي الحزب لمنصب الوالي، لتأتي المطالبات بإلغاء نتائج الاختيارات الأخيرة من داخل أجهزة المؤتمر الوطني ومنسوبيه في المؤتمر العام الأخير.. ومراجعة الحكم اللا مركزي من قبل الحكومة الاتحادية في الوقت الراهن لا تشكل بأية حال تراجعاً نهائياً عن الفيدرالية ولا نكوصاً عن الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة مع شركائها خاصة من المناطق التي تدور فيها الحرب كدارفور وشرق السودان سابقاً، حيث نصت الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة مع جبهة الشرق ومؤتمر البجة وحركة التحرير والعدالة وحركة العدل والمساواة في الدوحة على النظام اللا مركزي.. والحكومة والمؤتمر الوطني حتى لا تبدو الخطوة التي يقبلان عليها بمثابة تراجع عن الالتزامات المذكورة وإلغاء للنظام اللا مركزي نهائياً والعودة للنظام المركزي القابض الذي فجر أزمات السودان وأدى لانفصال الجنوب بعد أن شعر الجنوبيون باستحالة البقاء في دولة لا سبيل لهم لبلوغ حكمها وقيادتها فآثروا الذهاب إلى سبيلهم، وحتى لا تفجر التعديلات الدستورية القادمة مزيداً من الأزمات وتفتح جراحات جديدة في جسد مثقل بالجراح والأورام، فإن المؤتمر الوطني لا بد له من إعمال مبدأ حوار جهير ومكشوف مع الشركاء الآخرين في حكومته مهما تبدى له ضعفهم وقلة حيلتهم وعدم تأثيرهم على الأوضاع السياسية في البلاد، وتقديم خطاب سياسي للرأي العام بمبررات التعديلات الدستورية، حيث تراجع في الآونة الأخيرة خطاب الحكومة السياسي وباتت تهتم بالقضايا التنظيمية والإجرائية وقمع الأصوات الناصحة والناقدة بدلاً عن إشاعة خطاب سياسي مقنع للناس.
وحتى لا تمثل الخطوة تراجعاً عن الفيدرالية وعودة للسيطرة المركزية والقبضة الحديدية للمركز، فإن التعديلات الدستورية التي تسعى الحكومة لإقرارها هي تعديلات مؤقتة على الدستور وليست دائمة ولا تمثل تراجعاً عن الفيدرالية.. وتعيين الرئيس للولاة في الوقت الراهن يدفع بعملية الحوار قدماً للأمام باعتبار أن انتخاب الولاة في أبريل من العام القادم (يخلق) واقعاً جديداً في الساحة السياسية ويضفي مزيداً من التعقيدات على المشهد السياسي، وبالتالي تصبح الانتخابات القادمة لرئيس الجمهورية فقط.. حتى لا تفقد الحكومة شرعيتها، وبالتفويض الشعبي الذي يحصل عليه “البشير” يمضي قدماً في الحوار مع القوى السياسية المعارضة وحاملي السلاح.. وتعيين الولاة من قبل الرئيس يسهل إعفاءهم وتبديلهم بآخرين.
ثم أن النظام اللا مركزي الحالي يمثل اجتهاداً من المؤتمر الوطني، ولقوى المعارضة الأخرى اجتهادها ورؤيتها حول النظام اللا مركزي، فلماذا يحتكر المؤتمر الوطني الحقيقة لنفسه ولا يتيح لبقية القوى السياسية التعبير عن اجتهاداتها من خلال تقديم رؤيتها لكيفية حكم البلاد؟ وما هي الفيدرالية التي نبتغي؟؟
وبذلك يصبح النظام اللا مركزي نفسه جزءاً من الحوار الوطني.. وإذا لم تشمل المراجعات المنتظرة والتعديلات المقترحة أيضاً مراجعة هياكل الحكم اللا مركزي، والنظر إلى سلبيات التجربة الحالية حيث تضخم الجهاز التنفيذي في الولايات على حساب إمكانيات البلاد الشحيحة، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السودان يمكن أن يم تقليص عدد الولايات إلى (ولاية الخرطوم، الولاية الشمالية، ولاية الشرق، ولاية الجزيرة، ولاية كردفان وولاية دارفور)، ويصبح ولاة هذه الولايات مساعدين لرئيس الجمهورية في ولاياتهم.. ويتم إدماج وزارات الخدمات الولائية في وزارة واحدة، مثلما كان يفعل “جعفر نميري” بدمج وزارات الرعاية الاجتماعية والصحة والتعليم في وزارة واحدة باسم الخدمات مثلاً.. ووزارة أخرى للاقتصاد والمالية والزراعة.. ووزارة ثالثة للرياضة والحكم المحلي والثقافة.. وتجميع المحليات الحالية في محافظات كبيرة ليصبح مثلاً بالعاصمة الخرطوم ثلاثة محافظين للخرطوم وبحري وأم درمان، وللجزيرة ثلاث محافظات النيل الأبيض والأزرق وسنار، وفي كل محافظة وحدات إدارية هي المحليات الحالية يديرها ضباط إداريون، لنعيد لهم اعتبارهم.. كل ذلك مؤقتاً حتى يتم الاتفاق بين السودانيين بكل قواهم السياسية على نظام الحكم الذي يبتغون وفق قيم التراضي والتوافق السياسي.. وللرئيس الحق في تعيين الولاة والوزراء والمحافظين دون قيد أو شرطة.. وأن لا يلتزم الرئيس مطلقاً بالمحاصصات الجهوية حتى لا يأتي إلى حكم الولايات من لا يمثل مصدر ثقة عند الرئيس والمركز، وبالتالي يحرم سكان الإقليم من خدمات وامتيازات، عكس ما يحدث في حال اختيار والٍ ممن يثق فيهم الرئيس.. وتمثل تجربة ولاة مثل “أحمد هارون” في جنوب وشمال كردفان وتجربة “أيلا” في البحر الأحمر ود.”عبد الرحمن الخضر” وقبله د.”المتعافي” نماذج لما تكون عليه الولاية حينما يأتي الوالي ممن يثق فيهم المركز ويمثلون عنده ولاة (سوبر).. وبسط العدل بين الولايات في قسمة المال وتقديم الخدمات يجب أن لا يقيد الرئيس نفسه بالموازنات الجهوية والقبلية، ويعين من يعتقد أنه قادر على تنفيذ برنامج المرحلة الانتقالية.. وليت الرئيس انتهج سياسة انفتاحية، ونظر إلى ما وراء أسوار المؤتمر الوطني وجاء ببعض الكفاءات التي يثق فيها من العسكريين والإداريين والمهندسين لتنفيذ برنامجه الانتقالي بعيداً عن الانتماء الحزبي.. فقد شبع المؤتمر الوطني وقادته وولاته في السلطة، وجاع الشعب ولم يجد ما يسد به الرمق.. وحتى يتفق أهل السودان على نظام الحكم الذي يبتغون فلتمضي التعديلات الدستورية في شقها الأول.
أما مسألة الأرض التي يعتقد البعض أن المركز يجب عليه وضع يده عليها، وتصبح الأراضي شأناً مركزياً، فإنها خطوة ليس لها مبرر في الوقت الراهن، ويجب إخضاع الفكرة للحوار بين مكونات القوى السياسية، لأنها فكرة بعض النخب الاقتصادية ولا تجد إجماعاً وسط قيادات المؤتمر الوطني رغم أن مرورها عبر جسر البرلمان الحالي يسير ومضمون لأن النواب في دورتهم الأخيرة يصبح حرصهم على إرضاء نزوات قادة حزبهم أكثر من حرصهم على إرضاء ضمائرهم، حتى يعودوا إلى مقاعد البرلمان في الانتخابات القادمة، لأن من يختار مرشحي المؤتمر الوطني هم أعضاء المكتب القيادي المركزي لا الحزب في الولاية المعنية.. ثم أن دعاة القبضة المركزية والناشطين في إلغاء الحكم اللا مركزي عددهم كبير في مراكز صناعة القرار.. والمؤتمر الوطني كحزب قناعته بالفيدرالية ضعيفة جداً، لكن التزاماته مع الأطراف وخاصة الجنوب فيما قبل انفصاله واتفاقياته التي وقعها مع بعض حاملي السلاح هي التي دفعته لتبني الحكم اللا مركزي.. وقد أقبل المؤتمر الوطني على الحكم اللا مركزي عام 1994م من أجل حل مشاكل البلاد، لكن المؤتمر الوطني في نفسه بقي حزباً مركزياً قابضاً.. فكيف لحزب مركزي في نفسه تطبيق نظام لا مركزي في دولة يقودها وحده؟؟
{ ما وراء غياب الإسلاميين عن الخرطوم
ارتسمت علامات الدهشة وتمددت الأسئلة على ضفاف النيل الأزرق وقيادات التيار الإسلامي العربية والإقليمية تشكل غياباً عن المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني، بعد أن ظل التيار الإسلامي يشكل حضوراً في كل مؤتمرات الدولة والحزب طوال (25) عاماً هي عمر وصول الحركة الإسلامية للسلطة في السودان.. كانت شخصيات إسلامية مثل المفكر “راشد الغنوشي” و”عبد الله الأحمر” من اليمن و”محمد بديع” من مصر والجزائريين و”خالد مشعل” يشكلون حضوراً طاغياً في المناشط التي تقام في السودان، ويستمد النظام الحاكم أسباب البقاء من الشعارات الصادقة والمواقف الصلدة لتلك القيادات الفكرية حتى بات من أسباب قوة السودان امتلاكه لمفاتيح حل أزمات المنطقة واستقرارها، حيث يمثل التيار الإسلامي رقماً صعباً في معادلات الأمن والسلام في المنطقة.. وعلاقة السودان بالتيارات الإسلامية عربياً وأفريقيا هي (ميزة) مضافة وليست خصماً عليه، ولن تنعقد تسويات أو تبرم اتفاقيات بين التيارات المتصارعة في المنطقة بمعزل عن السودان ومن غير أن يكون له دور في أي تقارب بين التيار الإسلامي الثائر على أنظمة الاستبداد والطغيان والتيارات العلمانية التي تقود الأنظمة السلطانية والعسكرية.. وخاض الإسلاميون معركة اقتلاع أنظمة الحكم في دول الربيع في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا، لكنهم أخفقوا بدرجات متفاوتة في استثمار نصر جاء بدماء شهداء الحركة الإسلامية لتهدر سدى مثلما أهدرت الحركة الإسلامية في السودان دماء شبابها في جنوب السودان ولم تحصد حتى الذهب الأسود.. في مؤتمر 2014م، غاب الفلسطينيون ومثلتهم حركة (فتح) اليسارية، وغاب الإسلاميون المصريون عن السودان، وغاب الإسلاميون اليمنيون، وحتى “راشد الغنوشي” الذي يثبت كل يوم أنه رجل جدير بالاحترام ومفكر ثاقب البصر والبصيرة، وغاب الجزائريون، وغاب “فهمي هويدي”، ود.”يوسف القرضاوي”.. فهل وجهت لهؤلاء الدعوة ولتقديراتهم الخاصة آثروا الغياب ورفع أعباء وجودهم في الخرطوم عن كاهل الدولة؟؟ أم أن التسويات الإقليمية التي نجحت الحكومة في إبرامها جعلتها تمضي في درء الخسائر الكبيرة بالخسائر الصغيرة، وتقدير مصلحة الشعب السوداني المحاصر اقتصادياً بمكاسب معنوية؟؟
لا إجابة واضحة من قبل د.”الدرديري محمد” أمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الوطني، لكن في الوقت نفسه كان لحركة النهضة التونسية تمثيل في المؤتمر لكنه بشخصيات ثانوية ليست من قيادة الحركة الفكرية والسياسية.. كما شكل الإسلاميون الأتراك حضوراً في مؤتمر الوطني من خلال حزب العدالة الذي قال إن عضوية مؤتمره العام مائة ألف ولا يضير تركيا شيء إذا وجهت الدعوة لـ(6) آلاف سوداني هم كل عضوية المؤتمر الوطني العام لحزب الإسلاميين في السودان.
إن غياب بعض التيارات الإسلامية الإقليمية والعالمية ربما اقتضته (ضرورات) فقه المصالح. لكن يجب أن لا يفقد السودان تأثيره على الحركات الإسلامية وخاصيته كدولة قادرة على لعب دور في أي حوار بين الإسلاميين والعلمانيين، وقد استثمرت قطر علاقاتها بالإسلاميين في المنطقة وقدمت نفسها للولايات المتحدة والغرب بالوكيل عن المتفق عليه للإسلاميين، ونجحت قطر في إحداث كثير من التفاهمات بين الإسلاميين والغربيين، واحتضنت أرضها المئات من عناصر التيار الإسلامي من أجل احتوائهم، لكن السودان انتماءه للتيار الإسلامي انتماء أصيل، وأية مبادرة يقودها لإحداث تقارب بين التيارات الإسلامية والعلمانية فإن فرص نجاحها أكبر من إخفاقها.. ويعلم القاصي والداني الدور السوداني في إسقاط النظام الليبي السابق.. ولا يزال السودان يحتفظ بعلاقات جيدة مع بعض الفصائل الليبية التي تتصارع، كما تحتفظ مصر بعلاقات مع بعض الفصائل، ويمكن للقاهرة أن تأتي ببعض وتأتي الخرطوم بالبعض الآخر وتتم تسوية الملف الليبي كثمرة لتقارب النظام الإسلامي في السودان والنظام العلماني في مصر.. وعسكر “السيسي” الحاكمون في مصر بفوهة البندقية وبطش العسكر ليست أمامهم فرصة للبقاء مستقرين إلا بتفاهم مع الإسلاميين المصريين وإن طال الزمن، وقد يهدي “البشير” كثيراً من تجاربه للرئيس “السيسي” من أجل استقرار مصر.. لكن ركوب السودان قطاراً ليس قطاره وارتداءه عباءة لا تناسب فكرته ومشروعه لا يفيده في شيء، وقد يؤدي به إلى الترجل من القطار في محطة لا ماء فيها ولا خبز يطعمه!!
{ “غندور”.. من معركة الحزب إلى السلام
أفلح د.”إبراهيم غندور” نائب رئيس المؤتمر الوطني في بناء حزبه من مؤتمرات الأحياء السكنية إلى المناطق والمحليات وانتهاءً بالمؤتمر العام، وأثبت طبيب الأسنان بمعالجة التسوس وتساقط الأضراس والأنياب عن الحزب الكبير قدراً من الحنكة الإدارية والسياسية في ظروف شديدة التعقيد، وليس سهلاً أن تجلس على كرسي كان عليه رجل بقامة د. “نافع علي نافع” وتحقق النجاح، فالدكتور “نافع” بخطابه السياسي المصادم يشكل قيادة أقرب لنفوس الإسلاميين ومزاجهم العام.. لذلك صعد د.”نافع” في الانتخابات الداخلية لحزب المؤتمر العام للمرتبة الثانية بعد الرئيس “عمر البشير”.. رغم أن كل التيارات داخل المؤتمر الوطني، والتي قال الرئيس إنه لن يسمح بمراكز قوى داخل الحزب، هي في الأصل تيارات ليست منافسة للرئيس ولا تسعى لإزاحته، لكنها تيارات تتنافس في حب الرئيس وتتسابق في الولاء إليه.. ووجود تيارات متصارعة لا يمثل إلا محض وهم كبير في مخيلة بعض المعارضين الذين أصبح رهانهم فقط على انشقاق المؤتمر الوطني وتصدعه، وتلك من الأمنيات التي عاشوا عليها لمدة ربع قرن من الزمان.
أمسك “غندور” بمفاصل الحزب وعصمه من حدة الاستقطاب وخرج به إلى بر الأمان كما يقولون، لكنه قبل أن يفيق من رهق البناء والتجوال بين كسلا والجنينة وكادوقلي ودنقلا أعلن الوسيط “ثامبو أمبيكي” عن عقد جولة من التفاوض بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال في أديس أبابا الأسبوع بعد القادم، وقد أعلنت الحركة الشعبية على لسان الرفيق “عبد الرحمن أردول” عن ترحيبها بالتفاوض مجدداً بعد تعثر قارب العام حيث انعقدت آخر جولة تفاوض في أبريل الماضي، لتدخل بعدها المفاوضات في نفق التأجيل الذي يأتي من بعده تأجيل آخر حتى (استيأس) الناس من الحل السلمي، وبات الجميع ينتظر وعد الرئيس بالقضاء على التمرد في السودان خلال ما تبقى من العام الحالي.. ومفاوضات أديس أبابا المعلنة لن تصل إلى أي تفاهمات في ظل الضعف الشديد للآلية الأفريقية رفيعة المستوى و(مجاملات) “أمبيكي” وانصراف شركاء وأصدقاء (إيقاد) عن الأزمة في السودان وتكريس جهودهم لحل النزاع بين الفرقاء في دولة جنوب السودان!! ولا يعرف إلى اللحظة حتى مسارات التفاوض الأخرى من الدوحة إلى الحوار الوطني يمكن (جمعها) في مسار واحد، أم تمضي المسارات مبعثرة ويهدر الكثير من الوقت وتبقى الأزمة تلقي بظلالها السالبة على بعض أطراف السودان؟؟ صحيح أن الحركة الشعبية الآن في أضعف حالاتها، وما عادت تشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي، ولن تقوى على خوض معركة لإسقاط النظام أو حتى تهديده.. لكن الحركة الشعبية كواقع في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق تشكل تهديداً دائماً للاستقرار هنالك.. وخوضها حرب العصابات في الجبال الوعرة والأراضي المغطاة بالأعشاب والغابات جعل من الصعب القضاء عليها.. ثم أن إنسان منطقة جبال النوبة يشعر بأن له قضية وظلامات، وبعضهم موقن أن هذه الظلامات يمكن حلها بالتفاوض والمشاركة والتفاعل القومي، ومن خلال التنوير والتثقيف والإقناع.. لكن هناك تياراً آخر أستيأس من الحل بالوسائل السلمية ولجأ إلى حمل السلاح، والجميع على اتفاق بأن هناك قضية.. ولما كان الأمر كذلك، فالقضية لا تموت بوهن وضعف من يحمل السلاح، ولا بتخاذل من يفترض فيه الجهر بالرأي علناً من التيار السلمي.. وبذلك إذا صوب بروفيسور “غندور” نظره نحو حل مشكلة المنطقتين فإن ذلك ربما كان أجدى من الحوار العقيم الذي لن يبلغ مبتغاه في السنوات القريبة.
وتطاول الحرب من شأنه أن يؤدي إلى انتحار سياسي لأحد الطرفين، وينمي من النزاعات الانفصالية والحلول غير العقلانية كما حدث للجنوب.. لكن الرهان كبير على وعي البروفيسور “غندور” ووسطيته ومقبوليته وسط القوى المعارضة.. فهل يحدث اختراق في مفاوضات الثاني عشر من نوفمبر الجاري؟؟

المجهر السياسي
خ.ي[/JUSTIFY]