متى ينتهي هذا العام؟!
كنا نتابع صحتها ساعة بساعة بين خوف ورجاء مع الطبيب الانسان دكتور/كمال عبد القادر ومجموعة الاختصاصيين بمستشفى شرق النيل ومع خالها السماني وشقيقها محمد، (فاطمة فتحت عينها، فاطمة حركت يديها، الليلة فاطمة أحسن من أمبارح).
وعند صلاة الصبح يهتز الهاتف باقتضاب، رسالة من الاخ الصغير (أحمد الزين) بالقسم الفني، على القروب الخاص بـ(السوداني) في الواتساب (يا جماعة قوموا لصلاة الصبح عشان تدعو لفاطمة).
في عام 2013 الاحزان لم تغادر (السوداني)، رحل كبير المصححين العم عبد الله بله، وصديقنا العزيز عبد المجيد عبد الرازق (مجيدو) والرائعة نادية مختار ولحقت بها أول أمس في العاشرة مساء بعد 26 يوما من الحادث الفاجع صديقتها وخطيبة شقيقها فاطمة خوجلي.
(كُلّ جُرْحٍ في حنايانا يهونْ
جُرحنا دام ونحنُ الصامتون
حُزننا جَمٌّ ونحنُ الصابرون
فابطشي ما شِئْتِ فينا يا مَنون).
نادية مختار وفاطمة خوجلي، التقتا في صالة تحرير (السوداني) على المحبة والانسجام وبليلة الحاجة زينب وأكواب شاي من يد الود عاطف.
فاطمة اختارتها نادية خطيبة لشقيقها (مختار) وقبل ذاك وبعده لم تفترقا.
ضحكة وابتسامة ومدح متبادل على صفحات الفيس بوك:(خطيبة أخوي وعاجباني)..مضتا سوياً إلى بلوغ تلك اللحظة المأساوية الفارقة.
طرقت باب مكتبي لاول مرة، عرفتني باسمها، فاطمة خوجلي، صحفية كانت تعمل بالعزيزة (الرأي العام)، المفاجأة أنها خريجة علوم (كيمياء بتفوق) ولكنها مع ذلك اجتذبتها قوة مغنطيسية خارقة لمهنة الصحافة.
كان في عينيها ذياك البريق، بريق المبدعين المحبين لمهنة المتاعب والاحزان الكبرى والافراح العابرة.
قلت لها: (لماذا لا تذهبين للعمل في مجال تخصصك أفضل ليك من الدردرة في مهنة الصحافة؟!).
ردت بحزم ووضوح :(أنا بحب الصحافة يا استاذ و….)… لا أذكر ماذا قالت بعد ذلك!
يوم بعد آخر بدأت فاطمة خوجلي تكشف عن موهبة نادرة في التحقيقات الاستقصائية (نفسها طويل)- يا ليت روحها كانت كذلك- لا تتعب في ملاحقة ومطاردة المعلومات.
في احدى تحقيقاتها المميزة اكتشفت بالملاحظة والمتابعة أن مركزا كبيرا لغسيل الكلى بالعاصمة تسبب في اصابة أعداد من مرضى الكلى بالتهاب الكبد الوبائي لضعف اجراءات السلامة.
موهبة بت الخوجلاب لم تقتصر على الاداء التحريري، مع الايام برزت موهبتها الاجتماعية المتميزة، كانت تملك كاريزما قيادية باهرة، دوماً هي أول المبادرين في المناسبات وفض المنازعات بين الزملاء وتقديم مطالبهم لادارة الصحيفة 🙁 يا استاذ عليك الله وجدان دي ادوها سلفية ودندش لازم يجي راجع وما تنسوا اولاد عبد المجيد).
مع امتداد علاقاتها الاجتماعية في الوسط الصحفي وانشراحها مع الزملاء والزميلات كانت دوماً قادرة على رسم الخطوط الحمراء للتعامل معها ، تفعل ذلك بنظراتها فقط دون أن تنطق بكلمة.
بعد عودتي من مقابر الخوجلاب، فاجأتني صغيرتي رنا بسؤال اضطربت جداً قبل العثور على اجابة له: (يا بابا ليه الله ما استجاب لدعواتنا لخالتو فاطمة وخلاها تموت)..؟!
قلت لها بعد مدة من تفكير :(احتمال يا رنا الله اختار ليها الموت عشان يدخلها الجنة وهناك عندو ليها هدايا كتييييرة).
وعلى موجة سؤال رنا ، كتب الشفيف عطاف مختار في القروب:(فاطمة السمحة بنية جميلة جاها الموت قال إلا يشيلها)..!
جاءها الموت حينما كانت تنتظر الزفاف الابيض، جاءها على موعد آخر وقدر مسطر في الازل ، كان الكفن الابيض في انتظارها في ليلة شتوية مشوشة بنزعة الحزن ومبللة بالدموع.
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني