إشارات البت الغـزالة في الشعر
وتشبه البنت المهفهفة البطن، البضة الجسم، النحيلة الريشقة الحركة بالغزالة، وكلمة غزال مذكر يستخدمها بعض الشعراء بمعني الجمع، ومؤنثها غزالة، وكلتا المفردتين شكّلتا حضوراً كثيفاً في ديوان الشعر العربي، منذ العصر الجاهلي، وسوف أقدم هنا إشارات فقط للغزالة في الشعر وبعض الأغنيات السودانية التي جاء فيها ذكر الغزال.
و أبدأ بأبيات الشاعر الرومانسي الشفيف عمرو بن سعد بن مالك بن صبيعة المعروف بالمرقش الأكبر، التي ضمنها في قصيدته «خيال ُسليمي»،التي كتبها في تلكم الحبيبة التي نأت بها الخُطي بعيداً« بذي الأرطي» عن ديار حبيبها ، ولكن ظل خيالها يؤرقه طوال الليل، ويقلّب مواجعه وآلآمه، فإشرأبّ ذات يوم لرؤيتها في ديارها النائية، فرأها في المنام وزميلاتها، يتحلقّن حول نار، بغرض الدفء.
سرى ليلاً خيالُ من سُليمي ** فأرقني وأصحابي هجـودُ
فبتُ أدير أمري كل حال** وأذكر أهلها وهــم بعيدُ
على أن قد سما طرفي لنار** يشب لها بذي الأرطي وقودُ
حـواليها مهاً بيض التراقي*** وآرام وغزلان رقــودُ
وشاعر العراق اللطيف العبارة والحنين المشاعر ، «الشريف الرضي» شبه إحدى الحسناوات بظبية البان، مُهنئها على امتلاكها قلبه وجعله فلاة ترعى فيها وحدها وتروي عطشها من منهل دمعه الباكي وجداً وصبابة
يا ظبية البان ترعي في خمائله** ليهنك اليوم أن القلب مرعاكِ
الماء عندكِ مبذول لشاربه **وليس يرويكِ إلاّ مدمعي الباكي
وتظهر خِفة ورشاقة الغزالة، عندما يداهمها مكروه أو يحل بها بلاء، فتقفز بسرعة خيالية، كما قال الشاعر
رنت فخلتُها غزالة مرعوبة ** رابها فـي الفــلاءُ بـلاءُ
ويندهش شاعرنا الغنائي الرقيق محمدعلي أبو قطاطي، من رقة تلكم الغيداء الصبوحة الوجه والضامرة البطن، ويتعجب من جمالها الذي جعل الحسان تغير منه، والغزال يحسدها على ذاك الضمار النادر، والهلال يستعير ضوءه الوهاج من جبينها المشع
والعجيب حتى الحسان منكِ تغير
لو شافن الجسم اللطيف زي الحرير
والغزال حاسدكِ عشان فيكِ الضمير
والهــلال من نــور جبينكِ يستعير
بسحروك الناس عشان مــا بشبهوك
وللعملاق محمد وردي أُغنية «القمر بوبا» من كلمات إسمايل حسن نحتت اسمها في ذاكرة الشعب السوداني ، يشبه فيها بنت بغزالة السَلم في الرقة وخِفة الجسم ، وبالسيسبان طولاً واعتدالاً.
الغزال الفوق في السلم/المحبة تزيد الألم /كل يوم أصبح لي في هم /سيسبان عودك منظم /شمعدان نفسك يا أم كزم /القمر بوبا عليك تقيل
وأكثر ما يهتم به الشعراء من جسم الغزالة هما الضمار والرقبة «طبعاً طول الجيد من مميزات جمال المرأة»، وشبه الشاعر الشعبي صالح معزول «سدرين» فتاة في غاية الجمال والروعة، بجدي غزالة الشام ذات الرقبة الطويلة المتناسقة الفقرات، وخشمها «فمها» بنور القمر الساطع الذي يكشف عتمة الليل البهيم
أول حروفها«ب» وآخرهن لام
منزل قرجــم أمنعوا الكــلام
حرف الباء رقيبة الجــدي النام
خشمها القمر طلع كشف الظلام
شكل الوزين في بحورا عام
ضُمار الغزال الساكن بلاد الشام
ويقول الشاعر محمد عيسى الأثيوبي لفتاة تسكن بحي المصانع بمدنية نيالا البحير.
الماشي حي المصانع للغزالة سلّمها
أم دم خفيف أنا قلبــي بهضمها
والما بتريدها تطبق بطاطينها
المساير دبـل قفلـن جبينــها
صنعوا الكارينا من عرق جبينها
والـي الـولاية لنيالا تحكمـها
وياخذ الشاعر آدم الدوم «شبكات» صورة فوتوغرافية رائعة لفتاة لها جيد طول، جمّلته بالنُقار، وهي ضامرة كالغزالة، وتسير في شوارع الزلط بتيه وكبرياء، بعيدةً عن الغبار، وتتفتح الأزهار إبتهاحاً بخطواتها الرشيقة
الرقيبة أريل مُحاطــة بالنــُقار
غزال السمينا الهالكـها الضُـمار
شارعها زلط خالي من الغــبار
شوارع مرورها مليئة بالأزهــار
جات مـارة عصر تنتعل مســمار
وهناك جُملة من الأغنيات العربية التي جاء فيها ذكر الغزال منها، الغزال الشمالي لحسين الجسمي، وعدي الغزال لعلي حسن، رمش الغزال لمحمد قنديل، وغيرها.
وبدارفور توجد لعبة شعبية ذائعة الصيت تُسمى «الفرنقبية» بلغة الفور ومعناها غزلان جفلن، وهي لعبة تحاكي جري الغزال، حيث يجري الغزال لمسافة، ثم يقف يتلفت في كل الإتجاهات بحثاً عن أثر الحركة التي أفزعته، ثم يواصل الجري، وبذات الحركة في الفرنقبية، حيث تنكش النساء شعرهن ويجرين مسافة على إيقاع الفرنقبية، ثم يقفن للعب، ثم يعاودن الجري مرة أُخرى.
وهناك بعض الأماكن والشخصيات تحمل اسم الغزال في مقدمتها مدينة «أبوظبي» لكثرة الظباء فيها، وغزالة جاوزت، واللاعب مهند الغزال، المشير أبو غزالة، والبرامكة يعشقون شاي الغزالتين.
محمد أمبدي أبو حريرة
صحيفة الإنتباهة
ت.أ