منوعات
هاجس اﻷقلام وطرب اﻷقدام
وأي تناول لحال اﻷغنية السودانية لن يمر كريماً بمرور كرام على نقطتين جوهريتين وهما ما يمكن أن أسميه احتلال الإيقاع لمكانة النص حيث أصبح طرب الاقدام هو سيد الساحة وبالتالي استحوذت موسيقى الصخب على مساحات النص الغنائي الذي أصبح(تمامة عدد) في مجلس الأغنيات وهو احتلال بوضع اليد على خد مرحلة الحيرة واختلال الموازين والمفاهيم والنقطة الثانية بحيثية الشباب مصدر تلك الأغاني وقضاياه المتشابكة والمتصاعدة على أكثر من صعيد وخضوعهم من عدمه لفعل المجايلة فمن أي زاوية يمكن أن ننظر قضية ما يسمى بالغناء الهابط وبما أن الموسيقى بمقاماتها وأصواتها وسلالمها وإيقاعاتها وأقواسها نصرا وكمنجة تمثل لغة الشعوب المعزوفة فمؤكد لا تنزلق فتهبط، فيبقى قمين بالنص الغنائي محل انتقادنا من حيث انحدار المفردة وانتحارها على أسوار النكوص وتعدياتها السافرة على قيم مجتمعية وتربوية وأخلاقية وسلوكية ولا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فيه مفردات تتسكع على أرصفة التعلق اللزج شائهة ومبتذلة تتداعى عبر أغنيات تسمى بالشبابية أو أغنيات البنات لا فرق.
ولكن، كي نلمح ضوءًا آخر النفق لا يتطلب ذلك أن نهرول نحو بوابة النفق اﻷخرى (لنتاوق) الضوء بطبع بلوغ أواخر اﻷشياء وتجاوز البدايات وبلوغ النهايات مباشرة بما يدمغ بعضنا بثقافة الاستسهال والاستعجال وطي (بروش) المساحات تكاسلا.
ففي حالة الأغنية الهابطة ثمة نتوءات وتشققات وصراع يحتدم بين اللحن والنص، بين جيل وجيل بين مجتمع ومجتمع، في تناص ثقافي ومجتمعي وحركة تاريخ ونعلم أن تناول الظواهر لا يتم بمعزل عن الظروف المحيطة، في أي دراسة أو بحث أو عمل نقدي، ولا بد أن تؤخذ في الاعتبار تلكم الظروف وتضاعيفها.
ولا يجب الاكتفاء بمكرور القول، عن الغناء الهابط ونفسره بأنه هابط كما لو كنا نفسر ماء بالماء، يحتاج الأمر في مجمله إلى تشخيص يتتبع آثار الداء والمشكل وميكانيزمات إنتاجهما، وهل ثقافة طرب الاقدام هى ما صنع الغناء الهابط أم العكس هو الصحيح..؟ لاسيما أن طرب الاقدام فى المقاربات السايكولوجية يعنى الكثير ويشي باﻷكثر.
هو موضوع شائك ويتطلب تضافر جهودالنقاد و الباحثين والعارفين والمهتمين والكاظمين الغيظ ممن (يضرس) نبض قلوبهم غناء المهن الهامشية، ممن اختاروا مهنة الغناء بديلا (لقعدة ساكت فى البيت)، وعبر المايكرفونات تشتبك أصواتهم مع اﻷصداء، لتصاب الأمسيات بصداع لا تقوى على تطبيبه المسكنات الرائجة، وانا هنا أنادي بإثارة نقاش يفضي إلى حلول ولعل وعسى.!
لا…ﻷغنيات على شاكلة:(اسمع يا راجل هوووي، لو ما جبت قروش، لاحتلقى غدا لا بيت مفروش، لاباقي فطور لا فضلة بوش)…إلى لقاء.!
صحيفة السوداني
خ.ي