أنا دستوري نازل
أعادني خبر نشر بيومية ألوان (عدد أمس)، منسوب إلى والي الخرطوم وأمصارها بأنه حكومته بصدد إصدار لائحة جديدة تقيد بموجبها (ماركات) السيارات التي يستخدمها (الدستوريون) بأن لا تكون (فخمة)، وكذلك الأثاثات المكتبي، ومنع (الدستوريين) الحق الشخصي في تعيين موظفين عدا الحراس والسكرتيرين، أعادني إلى خبر آخر جدير بأن نقف عنده، وهو أن الرئيس الجديد للبرلمان (الفاتح عز الدين) كان (أزجى) اعتذراً للشعب السوداني على ما فعلوه به خلال الـ(25) سنة الماضية.
لكن دعونا نبدأ أولاً من (الرأس) ثم نضرب إلى (القدمين)، فمن هم الدستوريين هؤلاء؟ هل هم البرلمانيون والتنفيذون مثلاً، أظن أن الوالي يقصد ذلك، وهذا خطأ تقع فيه الصحف أيضاً إذ تنسب التشريعيين والتنفيذيين إلى الدستور، وهذه نسبة خاطئة، وإلا فالمواطن العادي الذي يأكل القديد في سوق أم دفسو (دستوري) أيضاً.
على كلٍّ وإلى حين تُلغى السلطتان التنفيذية والرابعة، وتتخلى عن هذا النسب (غير الشرعي)، فإننا نوجز المعني بحسب ما وجدناه في القواميس في الآتي: دُسْتُورِيُّ: (مَنْسُوبٌ إلَى الدُّسْتُورِ) وتعني النِّظَامُ الدُّسْتُورِيُّ والحُكْمٌ الذي يَكُونُ خَاضِعاً لِمَوَادَّ الدُّسْتُورِ، أما الإجراءٌ غير الدستورِيٌّ فهو الذي يكون غير مطابق للدستور. والقانون الدستورِيٌّ فرع من القانون العام يحدِّد ترتيب السلطات العامّة وعلاقات بعضها ببعض وصِلات المواطنين بها.
ومن هذا التعريف اللغوي والفقهي (بمعنى القانوني)، فإن نسبة طبقتي البرلمانيين والتنفيديين إلى الدستور نسبة خاطئة، ليس ذلك فحسب بل أن ما قاله الخضر (متأخراً جداً) يجعلنا نطلق على هؤلاء من باب المفاكهة والتندر لقب (غير الدستوريين)، ليس لأن بعضهم جاء إلى سُدته عن طريق التعيين فحسب، بل لأن (كبيرهم) كشف بطريقة غير مباشرة أنهم ظلوا يستخدمون السيارات الفارهة والأثاثات المكتبية (الفخمة)، وأنهم كانوا يعينون طاقمهم الذي يتوكأون عليه في تسيير أمور الناس تعييناً شخصياً ليس للجنة الاختيار للخدمة العامة علاقة به، وهذا أمر مخالف للدستور (غير دستوري)، لكنه الخضر ومن حيث ظن أنه أصلح الأمر خرقة مرة أخرى، فنزع منهم ما أسماه بالحق الشخصي في تعيين موظفين، واستثنى من ذلك الحراس والسكرتيرين، وهذا أمر غير دستوري أيضاً، فالسكرتارية تخصص يدرس بالجامعات، ووظيفة ينبغي لشاغلها أن يخضع للمعايير الوظيفية المتعارف عليها (اختبارات على أساس الشهاد الأكاديمية والكفاءة والخبرة) عن طريق لجنة الاختيار، أما الحراسة فهي أيضاً وظيفة تخضع لمعايير ويفترض أن تعين شاغليها وزارة الداخلية.
ورغم أن قرار الخضر جاء متأخراً مثل اعتذار الفاتح عزالدين، ألاّ أن كليهما يبدوان كبرميل فارغ، ما لم يتبع الاعتذار برنامج إصلاحي، ويتبع القرار رقابة وتصحيح، حتى يكونا دستوريين وفاعلين، وإلاّ فإن اللا دستوري سيسود ويصعد بينما ينزل الدستور إلى الحضيض.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي