عبد الجليل سليمان

انقلابا الخرطوم وجوبا

[JUSTIFY]
انقلابا الخرطوم وجوبا

ليس الغريب في إعلان رئيس جنوب السودان (سلفا كير)، إحباط حكومته محاولة انقلابية أن الحيثيات والوقائع والأدلة التي طرحها في مؤتمره الصحفي لا ترقى لتسمية تلك الحركة (انقلاباً)، بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح سواء أكان في مرحلة التخطيط أو التنفيذ، وبالتالي بدا الأمر لكثير من المراقبين والمحلليين السياسيين والعسكريين أن (سلفا) يحاول (فبركة) حادث ما (كبير وخطير) يتخذه مبرراً للهروب من استحقاق الانتخابات القادمة التي ستتحالف فيها (ربيكا) حرم الأب الروحي للحركة الشعبية الراحل (قرنق)، مع مجموعات أخرى تضم قادة تاريخيين (سياسيين وقبليين) بارزين في الشعبية خاصة بعد التنسيق بين مجموعتي (أولاد قرنق ورياك مشار) وبعض الناقمين على الرئيس سلفا.
وتحالف كهذا قوي ومؤثر وذو وشائج بمبادئ الشعبية وزعيمها الراحل، وأمشاج بالخارج الأفريقي والغربي، وبُعد شمالي يتمدد داخل السودان (الجار الشمالي) المهم، الذي كان الجنوب جزء أصيل منه قبل سنوات قليلة من شأنه يقض مضجع الحلقة الضيقة الحاكمة في (أول ملف ديمقراطي) حقيقي، لذلك يظن محللون سياسيون كثر ما جرى ليلة اجتماع مجلس التحرير (قيادة الشعبية)، ليس إلاّ مسرحية أخرجها (سلفا) بليل، وأعلن عنها عند الفجر. على كلٍّ، سيظل هذا التحليل (الاحتمال) قائماً، ما لم ينهض (سلفا) بتقديم حيثيات قوية و أدلة حقيقية بصدده.
ليس هذا و (إن حدث) هو الأمر الغريب، فالانقلابات المفبركة تصميم قديم (دقة قديمة)، لكن الغريب أن يستنكر طيف من الصحفيين والمحللين السودانيين بطريقة أقرب إلى السخرية والتشفي إعلان (سلفا) فشل محاولة انقلابية دُبرت ضده، وكأن لسان حالهم يقول (ما قلنا ليكم ما بتقدروا تديروا دولة) بينما في حقيقة الأمر يقول تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان أن الفريق إبراهيم عبود كان انقلب عن النظام الديمقراطي الموروث من الانجليزي قبل أن تكمل أول حكومة وطنية عامها الثاني في السلطة، فأطاح بها في نوفمبر 1958م، (يعني في أقل من سنتين)، بينما نال جنوب السودان استقلاله في 9 يوليو 2011م، وجاءت أول محاولة انقلابية بعد نحو سنتين ونصف من ذلك التاريخ، هذا مع الأخذ في الاعتبار عامل الزمان والتغييرات الكبيرة التي حدثت في المفاهيم السياسية.
على كلٍّ، فإن ما حدث بجوبا أول أمس (انقلاباً أو محاولة أو فبركة) لا ينبغي لنا أن نُسر ونفرح به، مهما كانت مقتضيات شعورنا هذا، بل يجب أن ندينه ونندد به ونقف ضده وقفة قوية وشجاعة، وأن ندفع ونضغط كجوار (صالح) بالمتناقضين في جوبا نحو الجلوس إلى حوار يفضي لتداول ديمقراطي للسلطة فوجود (دولة فاشلة) ومتناحرة في الجوار ليس في مصلحة الجميع.
وفي ظني أنه لو لم يحدث انقلاب الخرطوم (عبود 1958م)، لما رأينا الآن ذات الوجوه القديمة في كابينة قيادة الأحزاب والحكومة، ولو كنا صبرنا قليلاً على مبدأ التداول السلمي، لكنا الآن أفضل مما نحن عليه، وما نحن عليه (الله يعلم بيهو).

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي