جوبا (كلمة السر)!
(أخفِ نواياك، أبقِ الناس في عدم توازن في الظلام، بعدم الكشف عن الغرض من وراء أعمالك، لأنهم إن لم يكن لديهم أي مؤشر على نواياك فلن يستطيعوا تهيئة دفاع.. دعهم يقطعون مسافة طويلة عبر الطريق الخاطئ، وطوّقهم بكمية كافية من الدخان، بحيث يكون الأوان قد فات عندما يدركون مقصدك)!
(48) نصيحة تلقاها سلفا كير ميارديت من كاتبه المفضل السيد (روبرت قرين)، مؤلف كتاب (كيف تمسك بزمام القوة).
الكتاب آنف الذكر هو الكتاب المفضل لسلفا كير، وظل يحتفظ به من أول يوم آلت إليه السلطة في الجنوب، بعد احتراق طائرة دكتور جون قرنق عند جبال الأماتونج.
سلفا، يضع الكتاب على سطح مكتبه وتحت وسادته، وربما حمله معه في مرات كثيرة إلى دورات المياه!
سلفاكير يراجع النصائح ويعيد حفظها كل مرة، ويقارب بينها واحتياجاته التنفيذية في إدارة السلطة والسعي للإمساك بزمام القوة.
ما يفعله سلفا كير هذه الأيام في جوبا، هو ما نصحه به روبرت قرين: إطفاء الأنوار واطلاق الدخان ووضع الجميع في حالة ظلام وعدم توازن!
الرجل أذكى مما يعتقد الأعداء والحلفاء والمحايدون، فهو يريد اصطياد جميع العصافير بحجر واحد!
تابعت واطلعت واتصلت بمصادر عدة، وما توفر لي من معلومات عن ما يحدث بجوبا ليس فيه رائحة انقلاب بالمعنى الكلاسيكي للكلمة!
الرئيس سلفا كير ميارديت، ابن المدرسة الاستخبارية، يعيد إنتاج السيناريوهات القديمة، وفقاً لنظريات روبرت قرين: (لا تضع ثقة أكثر من اللازم في الأصدقاء، وتعلّم كيف تستخدم الأعداء)!!
سلفا كير بعد أن استطاع احتواء خصومه (الراهنين والمحتملين)، سياسياً عبر تكتيكات الإزاحة والإبدال أو بوضعهم في دائرة الاشتباه بالفساد، قرر الانتقال للمرحلة الثانية، وهي مرحلة تقليم الأظافر وخلع الأنياب!
سلفا كير صاحب الأنف المدربة على روائح المؤامرات، كان يدرك أن الذين قام بإقصائهم وإهانتهم سيفكرون ويخططون لرد الصفعات، والعودة مرة أخرى إلى مواقع المال والنفوذ في سلطة الجنوب.
سلفا كير قرر ألا ينتظر خصومه عند محطة (ساعة الصفر)؛ لذا خطط لتوجيه ضربة استباقية قاضية يتخلص خلالها -قبل الانتخابات القادمة- من كل مراكز القوة في الدولة الجديدة.
بذكاء أدرك “سلفا” مترتبات تنفيذ تلك الضربة، إذا جاءت دون مقدمات أو تبريرات.
كثيرون من أصحاب العيون الخضراء، والأنوف المستطيلة، والآذان ذات الحساسية العالية، موجودون في جوبا!
تلك الجهات ترصد وتتابع وتسطر تقارير شبه يومية للمنظمات والدول الغربية.
فإذا ابتدر سلفا كير الهجوم سيضع نفسه في مقام الذم والإدانة.
إذن الخطة كانت تعريض رياك مشار ومن حوله من جنود لدرجة عالية من الاستفزاز، في اجتماعات مجلس التحرير حتى يصدر منهم ما يبرر للخطوة القادمة!
ما حدث تطبيق لواحدة من أهم نصائح فيلسوف الحروب الصيني صن تزو: (حين تواجه عدواً قوياً لا تتحرك حتى تجد فرصة سانحة، ولا تحارب حتى يخرج عن طوره ويهاجم.. كن مستعداً لتصيد أخطاء العدو؛ فقد لا يأتي النصر بدونها).
كتبت من قبل في هذه المساحة:
(في زيارتي الأخيرة لجوبا، لاحظت أن دكتور رياك مشار بات يضع قبعة سوداء على رأسه، شبيهة بقبعة رئيسه سلفا كير، سألته عن سر القبعة، ضحك وقال لي: لا يوجد سر، إنها سخونة الطقس.. وفاجأته بسؤال مباغت وأين العصا؟.. فهم ما أقصد ولكن تجاهل الرد)!
وختمت قائلاً: (إذا كان بمقدور سلفا كير احتمال طموح مشار، وصوره المعلقة على حوائط جوبا، وعصا نبي النوير التي استعادها من البريطانيين، ومحاولته إقامة دولة داخل دولة، وسيطرته على المال؛ ما كان ليحتمل أن يتجرأ مشار على أعتاب الانتخابات بأن يضع على رأسه قبعة سوداء شبيهة تماماً بقبعة الرئيس)!
سلفا كير يريد من الضربة الاستباقية أن تطيح بقبعة مشار -العاشم في الرئاسة- في مقابل عدم المساس بما تحت القبعة، مراعاة للعيون الخضراء!.
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني