تحقيقات وتقارير

النزيف المعوي وتليف الكبد أخطر المضاعفات :البلهارسيا..- هاجس يؤرق الجزيرة


من قلب الجزيرة الخضراء المغطاة بشبكة ري تفوق ستين الف كيلومتر طولي وتشكل القناتان الرئسيتان والفروع والمواجر «3593» كيلومتراً والقنوات الفرعية «14003» كيلومتر والمصارف «5000 » كيلو و«36549» كيلومتراً جداول ابو عشرينات.. فيما تقدر المسطحات المائية بمشروع الجزيرة بمائتين اثنين وستين مليون وتسعمائة وثلاثين الف «262.930.000» متر مربع .. هذا هو الكم الهائل من المياه، ويكفي ان الترعة الرئيسية لمشروع الجزيرة وحدها تحمل في طاقتها القصوى ثلاثين مليون متر مكعب لري الحقول في الذروة والمناقل لا يقل كثيراً، كل هذا فاقم من اخطار امراض المياه خاصة البلهارسيا بمضاعفاتها .. التقت «الرأي العام» ثلاثة مصادر خبيرة في مجالات الطب والصحة ولهم ابحاث ودراسات من واقع الحال المعاش..
——————————————————————-
خطورة المرض
اللقاء الاول مع البروفيسور نصرالدين محمد عبدالله الوالي عميد معهد الطب النووي والاحياء الجزيئية وعلاج الاورام سألناه عن القضية التي تجددت في دوائر الصحة الصحة عن البلهارسيا واكتسحت عدداً من مناطق الجزيرة المروية مع سكان يبلغ عددهم «5» ملايين؟
– قال المعهد كون فريقاً من الاطباء اجرى خلال العامين المنصرمين مجموعة بحوث عن البلهارسيا وعلاج النزيف الدموي بمنطقة الكريمت بالمناقل ورغم ان هذا المرض عرف بأنه يصيب الانسان منذ عصور قديمة ترجع لما قبل الميلاد وقد وجدت اصاباته بالمومياوات الفرعونية إلا انه بدأ انتشاره بالسودان عامة والجزيرة خاصة في العشرينات من القرن الماضي، بعد بناء خزان سنار وانتقلت البلهارسيا إلى المناقل بعد اكتمال امتداد المناقل العام 1963 ، موضحاً ان البلهارسيا والديدان المعوية ثم النزيف المعوي تعتبر أهم الامراض التي تتسبب في اعاقة النمو الاجتماعي والاقتصادي على مستوى العالم وكشفت تقارير طبية أخيراً ان هناك ما يقدر باكثر من مائتي مليون نسمة يحملون الطفيليات باجسادهم وثلاثمائة الف يعانون من اعراضه المؤلمة والتي قد تؤدي الى مشكلة مزمنة- وتتمثل خطورة المرض في المضاعفات ومن اهمها تليف الكبد.
المكافحة المتكاملة
وفي استطلاع الصحيفة حول القضية الدكتور عبدالرحيم البلال استاذ علم الامراض بكلية الطب جامعة الجزيرة وهو يشغل ايضاً منصب مدير عام المعمل الطبي للجامعة.
قال: طفيلي البلهارسيا يعيش في جسم الانسان وايضاً الحيوان خاصة الابقار، ورغم انه منتشر في كل مشاريع الري والسكر كما ينتقل من انسان لانسان في دورة حياتية وتبدأ بيضة البلهارسيا تخرج في البول والبراز- وفي داخل المياه تفقس البيضة في الوسيط وهي «القواقع» وتخرج كميات هائلة من الطفيلي وتخترق جسم الانسان، وتبدأ الدورة والقوقعة الواحدة تفقس «053» بيضة في اليوم وبهذا تحدث بلهارسيا معوية تعيش في الاوعية الدموية أما البلهارسيا البولية تتكاثر حول المثانة البولية.
ومع هذا فإن البلهارسيا متعددة الانواع واخطرها مضاعفة النزيف المعوي الدموي وتليف الكبد.
وحالياً ظهر المرض بوضوح وسط الاطفال في عمر المدارس إلا ان سلطات وزارة الصحة الاتحادية والصحة بولاية الجزيرة تقومان بجهود للمكافحة كما جرت معالجات وقائية بصورة اساسية والتي سيتجدد مداها بناء على نتائج المسوحات الوبائية وسط طلاب المدارس ورفع الوعي الصحي والنظافة الشخصية، اضافة الى التخلص السليم من فضلات الانسان وتوفير المياه النقية وبصورة عامة القضاء على القواقع.
كما يجب اعطاء المواطنين العلاج الكامل المجتمعي وهو اربع حبات برزاكواتيل- ايضاً يمكن استئصال البلهارسيا كلياً في حالة تنفيذ مكافحة متكاملة تشمل المياه الصحية وتوفير العلاج الكيميائي الجماعي وتدمير القواقع الناقلة وقال رغم ان مضاعفات البلهارسيا تظهر في الانسان بعد خمس عشرة سنة إلا ان الدراسات جارية للسيطرة على المرض.
استراتيجيات المعالجة
وقال د.عثمان خلف الله سعيد عميد كلية طب الجزيرة السابق والمستشار الطبي بوحدة الدراسات بالجامعة حالياً وخبير في الامراض الاستوائية ومدير سابق لمشروع النيل الازرق.
قال ان البلهارسيا مرض يصيب المتعاملين مع المياه كالمزارعين واقل عند النساء.. وكانت تجربة مشروع النيل الازرق الصحي خلال عشر سنوات (1997 – 1998 ) تبنى المشروع دراسات ونتائج تطبيقية عالية لمكافحة امراض المياه ومنها البلهارسيا فقد تبنى المشروع حينذاك كل الاستراتيجيات لتقليل نسبة الاصابة.
وتمثلت الاستراتيجيات في المعالجة الشاملة والتثقيف الصحي في كل المستويات التعليمية والمجتمعية وبهذا انخفضت نسبة اصابة البلهارسيا الى اقل من «10 %».
إلا ان نسبة الاصابة ارتفعت في السنوات الاخيرة وعمت قرى الجزيرة والمناقل ومشروع الرهد الزراعي وتركزت بصورة بارزة في منطقة الكريمت بالمناقل، وكانت الاحصاءات من قبل ان عدد المصابين بجميع قرى المناقل والكنابي المقامة حول القنوات لا يقل عن خمسين في المائة من عدد السكان البالغ مليون نسمة..وتشير احصائية اخرى ان انتشار مرض تليف الكبد وحده بلغ عدد المرضى الذين اجريت لهم موجات صوتية «1893» وهم بكمبو ودالامين «553» – الكريمت «225» – طويلة كمل نومك «792»- العوامرة «172» وكترة حمدان «151» فيما بلغ عدد حالات تليف الكبد المتقدم «487» منهم «851» بكمبو ودالامين لوحده، وعليه بلغت النسبة المئوية لهؤلاء المرضى بتليف الكبد «11.3%».
سألت د.عثمان عن مدى علمه بهذه الاحصاءات قال بالفعل كانت امراض البلهارسيا كثيرة جداً بالمناقل وحالياً انخفضت الاصابات نسبياً. واستدرك د.عثمان خلف الله بقوله الى ان أهم مضاعفات المرض اللعين هو فقر الدم نتيجة تليف الكبد الذي يسبب ارتفاع ضغط الوريد البابلي مما ينتج عنه حدوث دوالي المرئ والمستقيم، وقد يؤدي ذلك الى النزف الدموي، ايضاً يحدث المرض مشاكل اجتماعية واقتصادية تنتج عن غياب الايدي العاملة في مقتبل العمر..وهنالك نوع آخر من البلهارسيا هو بلهارسيا الجهاز البولي الذي يصيب الجهاز البولي التناسلي وتنتج عنه اصابة المثانة والحالب والكلى مما يسبب فشلاً كلوياً وسرطان المعدة وتكون السيطرة الطبية صعبة بعد ذلك.
وكشف د. عثمان خلف الله عن مشروع جديد لانشاء مركز ومستشفى متكامل للجهاز الهضمي بودمدني واهم اختصاصاته معالجة دوالي المريء والتليف وسرطان الكبد. وسيجد هذا المشروع الحيوي لانسان الجزيرة عوناً من وزارة المالية الاتحادية وحكومة ولاية الجزيرة واتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل كما تعهدوا بذلك.
وبعد: كانت هذه حصيلة الاستطلاع مع الاجهزة العالمية ببواطن الشأن من خلال تجاربها ودراساتها الميدانية عن مرض البلهارسيا وتطوراته القاتلة.

حامد محمد حامد :الراي العام