سعد الدين إبراهيم

سارق البطولة ..


[JUSTIFY]
سارق البطولة ..

حدثت هذه القصة عندما كنا صغاراً وقد حكيتها ذات مرة، وكلما تجددت الظروف تظل القصة في ثنايا الذكريات، لتؤكد أن الأدوار تُسرق والمجد كالرزق فيه الحلال والحرام.. وأن الإدعاء مرات قد يصنع بطولات لكنها حتماً بطولات زائفة.

كنت في الصبا قد درجت على ممارسة رياضة المشي عبوراً للحي الذي أقطنه إلى خلاء كان يقضي إلى شاطئ النهر (كل هذا أصبح الآن غابات أسمنت).. يومياً أمارس جولتي المسائية.

ذات مساء والغروب يعاود والشمس تودع، وكان الشارع يكاد يخلو من المارة.. وليس في الشارع سوانا أنا وبائع (ترمس) بزيه المميز يحمل (جرادله).. ويبدو أن البضاعة نفدت فهو لا ينادي عليها وربما كانت رغبته أن يصل إلى بيته ليهجع بعد تجوال مرير.

أثناء ذلك سمعنا صراخاً من أحد البيوت واستغاثة هرعنا إلى البيت.. بتاع الترمس وأنا.. ووجدنا الأسرة الأم والأب وخلفهما الأطفال في خوف وفزع إذ رأوا ثعباناً ضخماً يتدلى من عرش (البرندة).. وتقدمنا نستطلع الحال.. فوجدنا فعلاً ثعباناً ضخماً عجوزاً يطل برأسه من السقف وقال لي (بتاع الترمس) يمكننا اصطياده فهو ثعبان عجوز لا حيله ولا قوة ويبدو أن لديه خبرة في التعامل مع الثعابين.

المهم لا أريد أن أحكي عن بطولتنا لكن حماس الشباب وهدوء رفيقي (بتاع الترمس) جعلاني أستجيب لفكرته في أن أناوش الثعبان بعصا طويلة (قناية على رأسها مشة) بينما يستعد هو بعصا متينة لضرب الثعبان على رأسه حين سقوطه.

وقد ناوشت الثعبان حسبما أشار لي في البداية بضربات طائشة ثم انسجمت في الدور تماماً.. وازددت خبرة خاصة أن الثعبان لم يناوش كأنما استسلم لمصيره بعد مقاومة يعرف أنها لن تطول.. أخيراً استطعنا أن نسقط الثعبان وأصبح لا يحرك ساكناً.

ثم بعد اطمئناننا على إغماء الثعبان أو موته قلنا نمضي فأوقفنا رب الأسرة حتى يتأكد، فأحضر ماء ورش الثعبان فتحرك فعدنا ننهال عليه ضرباً- (طبعاً في ذلك الزمن لم يكن دكتور ود الريح يكتب إشاداته عن الثعبان وعن فداحة قتله)- المهم تركنا الثعبان جثة هامدة ومضينا قدماً إلى بيوتنا.

بعد صلاة المغرب درج والدي وأصحابه على الجلوس أمام البيت للتسامر وشرب الشاي والقهوة، وكنت غالباً أخدمهم بإحضار ما يطلبون حتى يطمئنون إلى أنهم لا يحتاجون إلى شيء فيطلق سراحي.. بينما أنا أمارس الخدمة المضجرة الممتعة في آن.. حضر رب الأسرة وهو يحمل الثعبان على العصا وخلفه زفة من الصبية والأطفال يهتفون (عمي فلان كتل الثعبان) وحضر عم فلان.. ويبدو أنه في غمرة هلعه من الثعبان لم يتعرف عليّ.. وأحضر الثعبان وأراه لوالدي ورفاقه وأخذ يحكي لهم كيف اصطاد الثعبان وأخذ يؤلف قصة طويلة بتفاصيل كذوبة، فلم أتمالك إلا أن ضحكت بقهقهة عالية، فلما حدجني والدي بنظرة مؤنبة دخلت إلى المنزل فلحق بي ثائراً وسألني فاضطررت إلى حكاية الحكاية له: فلم يتمالك إلا أن قال لي في زجرلطيف: مهما كان ما كان حقو تضحك بالطريقة دي!!

أترون كم من بطل زائف في حياتنا مثل عم فلان.

الصباح..رباح – صحيفة آخر لحظة [/JUSTIFY]