مالك العثامنة : بين الصحافة الفنية والجنسية وقصة عيد ميلاد فيروز
وبينما كانت المركبة «روزيتا» تهبط فوق سطح مذنب يسير بأقصى سرعته، في سباق فضائي علمي محموم، كان فضاؤنا العربي «يهبط» أيضا في الاتجاهات كلها.
الأخبار على فضاء «الستلايت» أو «الفضاء الإلكتروني» كان بمستوى الحدث الذي يبحث عنه المتلقي العربي، فهو الذي يحدد نوعية الخبر من خلال تلمس صانع الخبر لشغف المتلقي نفسه، وبأكثر من طريقة.
لنأخذ مثالا قويا..
■ قضية ما عرف بعنتيل الغربية، وهو الشخص الذي نسبوه إلى الجماعات السلفية، وقد ضبط في كمبيوتره الشخصي عدة فيديوهات جنسية تصوره مع سيدات في منطقته.
القصة كلها مريضة، عن مريض ومهووس جنسي.. في علاقات متعددة، لكن التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان هي التي يبحث عنها المتلقي العربي، فكان خبر هذا المهووس الجنسي الأكثر قراءة ورواجا في الصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي..
قمت وبدافع الفضول بقياس نسبة ما تيسر من «لايكات» وتعليقات على خبر العنتيل، لأفقد القدرة على العد والقراءة.. بينما خبر هبوط مركبة «روزيتا» على سطح مذنب.. كان أقل من عادي على أهميته للبشرية جمعاء!!
توقف دينا عن التقبيل
■ وفي الفضائيات، وبحكم متابعتي المستمرة لوفاء الكيلاني وبرنامجها «الحكم» على قناة «أم بي سي»، تابعت كما غيري من المحيط إلى الخليج، حلقة مقابلة الراقصة دينا.
دينا، أكدت لنا كمشاهدين أنها توقفت عن التقبيل منذ جرح أحمد زكي شفتها السفلى في أحد الأفلام!! مشيرة إلى أنها لا تذكر عدد زيجاتها! لا أقف ضد مهنة الرقص، فالرقص حالة تعبيرية فنية جميلة، والرقص الشرقي تحديدا، يضع مؤديته على خط فاصل بين الأداء التعبيري والخلاعة..
لكن أتساءل عن القيمة المضافة لساعات بث فضائي لها ثمنها حول آراء دينا في الحياة والفن! لكن هي مرة أخرى فكرة «الجمهور عاوز كدة»، وهو ما جعل سيدة مثل دينا تتخلى عن شهاداتها العليا التي تحملها إلى مهنة الرقص الشرقي وتجاوزه إلى الاستعراض الخلاعي. وفي تتابع استطرادي لتلك المقابلة، تتفاجأ بهذا الكم من التعليقات والاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية مقابلة دينا.. فمن وعظ ديني إلى إشادة بما قالته إلى حملات دفاع مضادة لما صرحت به مثلا عن آخرين!!
وتصبح أهم عناوين المجلات الفنية ومواقعها عن دينا وما قالته عن «صافيناز»، وهذه زميلة لدينا في المهنة وأحد «أعمدة» النهضة الفنية في العالم العربي الحديث.
عصر الصحافة الفنية
■ وفي الحديث عن المجلات الفنية، كانت هناك زمان، مجلات فنية عربية كان القائمون عليها متخصصون ، وكان لها قراؤها !
الصحافة الفنية كانت كأي فن من فنون الصحافة، وكان صحافيوها موسوعيين بمعنى الكلمة ومن أهل الثقافة والسياسة أحيانا، ولا نستغرب أن صحافيا كبيرا وقديما مثل الراحل محمد التابعي في مصر، كان يكتب في الشأن الفني بالفنية نفسها التي يكتب فيها في الشأن السياسي.
وكانت البرامج الفنية على التلفزيونات قبل عصر الفضائيات، ساعة بث مشغولة بعناية تحترم ذوق المتلقي وكان فن المقابلة فنا حقيقيا يستلزم ضيفا يستحق هذا الجهد.
مع عصر الفضائيات، وانتشار مواقع الانترنت الفنية، صارت الصحافة الفنية نفسها جزءا من صناعة الترفيه بلا معنى.. ووصلنا إلى حالة تغطية عزاءات الفنانين بالصور، ورصد من حضر منهم ومن لم يحضر إلى بيت العزاء، والتقاط المفارقات في كواليس تلك المناسبات لتصبح مانشيت العدد مع عنوان مثير يغري المتلقي بكبسة زر لرؤية التفاصيل، فيسجل عداد الزيارات مئات القراءات ويرتفع رصيد الإعلان لدى الناشر.. وتصبح الصحافة تفسها حالة ترفيه.. بحد ذاتها.
حياة فيروز مقدسة كمماتها
■ وفي سياق البحث المحموم عن المفارقات، كانت مناسبة عيد ميلاد السيدة فيروز حدثا له ظلاله هذه المرة بخلفية صورة بثها الإعلامي اللبناني زافين، قال فيها إنها قطعة أرض خصصتها سفيرة النجوم ضريحا لها، وقد شكلته على حروف اسمها الفيروزي.
بعيدا عن الحملة المضادة والشرسة التي شنتها ريم الرحباني إبنة الفنانة على زافين، إلا أنني شخصيا لا أرى ضيرا في أن تفكر الفنانة في مثواها الأخير بالطريقة التي تراها تليق، وهو شأن شخصي وفي حالة السيدة فيروز فإن فكرة كتلك تتواءم مع الصورة الشاعرية التي انطبعت فينا منذ عرفنا «جارة القمر».
كما أنني شخصيا أرى أن وضع السيدة فيروز في موقع الجدل الجماهيري أمر غير لائق، خصوصا أنها وطوال سنوات نأت بنفسها عن الخوض في أمورها الشخصية.
دكاكين التحليل العربية
■ واستقال هيغل، وزير الدفاع الأمريكي، وهي استقالة عادية في سياق اختلاف سياسي مع إدارة أمريكية معتادة على الاستقالات، في ظل استراتيجيات تتغير!!
الأدهى هو رد الفعل الـ»فيسبوكي» والـ»تويتري» العربي.. في اعتبار الاستقالة نصرا «دبلوماسيا» لـ»داعش!»
أزمتنا كعرب تكمن في «الوهم» وتحويله إلى حقائق، نؤمن بها كمسلمات ثم نبني عليها واقعنا.. لننتهي بقصر من الرمال ينهار مع أول موجة صغيرة.
والمتتبع لجنرالات المجالس الالكترونية أو الفضائية يكتشف حجم الأوهام العربية والمتفاوتة بين انبطاح يائس أو عجرفة على خوازيق التاريخ، وقلما تجد قراءة موضوعية فيها نقد ذاتي أو قراءة محايدة بعقل بارد.
من جملة ما أتحفنا به جنرالات المجالس من مقالات على مواقعهم الإلكترونية ما كتبه أحدهم بصيغة تحليل «متخم بالأخطاء اللغوية» ذهب فيه إلى أن موسكو تفكر جديا بإعادة إنشاء «حلف وارسو» جديد، لكن هذه المرة مع بعض العواصم العربية من بينها القاهرة في مواجهة الغطرسة الأمريكية.
عزيزي المحلل.. أرجوكم اقفلوا دكاكينكم .. وارحمونا !.
[FONT=Tahoma] القدس العربي
م.ت
[/FONT]