جمال علي حسن

مقترح ليمان ..الرفض قبل الاطلاع

[JUSTIFY][SIZE=5] [CENTER] مقترح ليمان ..الرفض قبل الاطلاع[/CENTER]

لماذا رفضت الخرطوم مجرّد التفكير في دراسة المقترح الذي تقدم به برنستون ليمان، المبعوث الأمريكي السابق، وجون تيمين، محلل الشؤون السودانية، بتأجيل موعد الانتخابات القادمة لمدة عامين؟
إنّ الإجابة ببساطة أنّ الخرطوم استقبلت هذا المقترح بحساسية عالية جداً، خاصة وأنّه جاء من شخصيّة تعتبر الخرطوم أنّها تتحمل جزءاً من مسؤولية استمرار الخناق الاقتصادي الذي يعاني منه السودان، والحصار الأمريكي بسبب التقصير المقصود من هذه الشخصية في معالجة ملف العلاقات السودانية الأمريكيّة.
ولو طالعنا نص المقترح الأمريكي، وتبريرات تأجيل الانتخابات، ربّما نجد أنّه لو كانت العلاقات بين السودان وأمريكا على الأقلّ في مستوى من التصالح والتعاون بدرجة من الدرجات، كان من الممكن -ومن المتوقّع في اعتقادي- أن تتعامل الخرطوم مع المقترح الأمريكي بنفسيّة تختلف، ومرونة قد تجعل مقترح تأخير الانتخابات نفسه مقبولاً من الحكومة، إذا كان بالفعل مفيداً في إنهاء الأزمة السياسية السودانيّة، فالمقترح الأمريكي ينبني على إقرارات مهمّة من ليمان بإدانة تناقضات الجبهة الثوريّة، وتشكيك بائن في رغبتها الحقيقيّة في الانخراط في عمليّة حوار سياسي.
والمقترح يتحدّث عن رفض الحلول الجزئية للأزمة، ويشخّص الفشل في ايجاد حلول ناجعة في التجارب السابقة؛ تشخيصاً موضوعياً.
وبرغم أنّ ليمان يتحدّث عن ضرورة تقديم دعم دولي للجبهة الثوريّة على مستوى بناء القدرات للانتقال لمرحلة الحوار السلمي، وهذه فكرة مزعجة طبعاً بالنسبة للخرطوم لكنه يمكن أن يكون قابلاً للنقاش لو تم الاتفاق على تحديد نوع المساندة الدولية في موضوع التأهيل والتدريب، لخوض عملية التفاوض فقط، وأن تكون تلك المساندة مشروطة بالتزام الجبهة الثورية بوقف العمل العسكري تماماً في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، لتهيئة المناخ للحوار والتفاوض.. خاصة وأنّ المساندة بدون مقترح ليمان أصلاً موجودة، بل هي آلات ليست لدعم السلم، بل دعم الحرب، وبالتالي فإنّ الإقرار بها وتوجيهها يمكن أن يكون أخفّ قدراً.
مقترح ليمان كان في تقديري معقولاً للأخذ والردّ معه، لو لم يكن ليمان تحديداً هو الذي قدّمه، ولو كانت أمريكا تتعامل خارج منهج الابتزاز السياسي، إذ ليس من المقبول أن أتعامل مع مبادرات للتوسّط وإنقاذ الموقف، ويكون من يطرح تلك المبادرات يمثل جزءاً من الأزمة، وطرفاً من أطراف التعقيد الذي يحيط بها!
شيء آخر طرحه ليمان في مرئيّته؛ يتعلق بتباينات المواقف بين القوى المعارضة المختلفة، واستبعاده لامكانية أن يتوصّلوا إلى إجماع كامل، آخذاً في الاعتبار التاريخ الطويل، والانقسامات العميقة بينها، وهذا صحيح.. بل لو قرر المؤتمر الوطني اليوم الموافقة على اقامة حكومة عريضة للحوار الوطني، حسب المقترح، فإنّ أكبر أزمات هذه الحكومة ستكون داخل فضاء المعارضة نفسها، لدرجة أنّ المؤتمر الوطني قد يجد نفسه في لحظة من اللحظات مضطراً لأن يلعب دور الوسيط لتوفيق الرؤى المتنافرة، والشكوك العميقة، والعلاقات المتأزّمة بين مكوّنات القوى المعارضة؛ الحاملة وغير الحاملة لفيروس العمل المسلح.
لوجاءت هذه المقترحات من مبعوث أمريكي يحمل رصيد رفع العقوبات الأمريكيّة لقبلت الحكومة السودانيّة مبدءاً بمناقشة المقترح، بل وربّما القبول بالكثير من الرؤى التي لا يتوقّع أحد أن تقبل الحكومة بها، ولكن لا ليمان ولا أمريكا مناسبان لدور الأجاويد الموثوقين بالنسبة لحكومة السودان الآن

جنة الشوك :صحيفة اليوم التالي [/SIZE][/JUSTIFY]